دور الحرية الرقمية: فهم ظاهرة قطع الانترنت

بقلم أيمن ملحيس - منسق أول الإعلام الرقمي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا / التكتيكات الجديدة في حقوق الإنسان

في عالمنا المترابط بشكل متزايد، يُعد الإنترنت أداة حيوية للتواصل، كما أنه أمر بالغ الأهمية للدفاع عن حقوق الإنسان والدعوة لها. ومع ذلك، فإن الظاهرة المتزايدة لقطع الإنترنت، والمعروفة أيضًا بحجب الإنترنت، تشكل تهديدًا كبيرًا لهذه الجهود. تعرّف منظمة "Access Now" قطع الإنترنت بأنه
"تعطيل متعمد للاتصالات الإلكترونية أو الإنترنت، مما يجعلها غير قابلة للوصول أو غير قابلة للاستخدام بشكل فعّال، عن فئة معينة من الناس أو على منطقة معينة، وغالبًا ما يكون ذلك للسيطرة على تدفق وتبادل المعلومات."

أنواع قطع الإنترنت

لاستكشاف هذه القضية، شاركت في برنامج "Shutdown Academy" الخاص بـ "Advocacy Assembly" ومن خلال بحثي وتدريبي، حددت أربعة أنواع من قطع الإنترنت، كل منها له خصائصه ونتائجه الخاصة:

  1. القطع الكامل: إيقاف كامل للوصول إلى الإنترنت في بلد أو منطقة، مما يوقف قنوات الاتصال. على سبيل المثال، في مارس 2024، شهد السودان إغلاقًا كاملًا للإنترنت، مما أدى إلى تعطيل كبير للخدمات الإنسانية والطوارئ. أثر قطع الإنترنت هذا على قنوات الاتصال الحيوية اللازمة لتنسيق المساعدات والاستجابة لحالات الطوارئ. تُظهر هذه الواقعة العواقب الناتجة عن مثل هذه التدابير على الصحة العامة وحقوق الإنسان.
    المصدر: منظمة العفو الدولية.

  2. القطع الجزئي: استهداف منصات أو خدمات معينة، مثل شبكات التواصل الاجتماعي أو تطبيقات الرسائل. حدث هذا في يونيو 2020 خلال امتحانات الثانوية العامة في الأردن، حيث قامت الحكومة بتنفيذ إغلاقات جزئية عن طريق حظر الوصول إلى بعض المنصات الإلكترونية وشبكات التواصل الاجتماعي، وذلك لمنع الغش والحفاظ على نزاهة الامتحانات. أثر هذا الإغلاق على التواصل وقلص الوصول إلى المعلومات، مما تسبب في إحباط كبير بين الجمهور. بالإضافة إلى ذلك، واجهت الأعمال التي تعتمد على هذه المنصات تحديات تشغيلية. أثار هذا الحدث قلقًا كبيرًا بشأن القيود المفروضة على حرية الإنترنت.
    المصدر: جريدة الأردن تايمز.

  3. تباطؤ الإنترنت: تقليل متعمد لسرعات الإنترنت، مما يجعل الأنشطة عبر الإنترنت شبه مستحيلة. على سبيل المثال، في عام 2011 في مصر، استخدمت الحكومة تباطؤ السرعة خلال الاحتجاجات، حيث تم ذلك عمدًا لتعطيل الاتصال والحد من مشاركة المعلومات. أعاقت هذه التدابير بشكل كبير قدرة الأفراد على التنظيم والتعبير عن أنفسهم، كما أثرت على وصولهم إلى الأخبار والتحديثات الهامة. لا يعيق التباطؤ من سرعات الإنترنت تدفق المعلومات فحسب، بل تثير أيضًا القلق بشأن تأثيرها على حرية التعبير وحق الوصول إلى المعلومات.
    المصدر: الغارديان.

  4. حجب نظام أسماء النطاقات " DNS": وهو حظر الوصول إلى مواقع أو تطبيقات معينة من خلال العبث بنظام أسماء النطاقات. على سبيل المثال، في مارس 2014، استخدمت الحكومة التركية حظر " DNS" لمنع الوصول إلى تويتر، ردًا على تسريبات تتعلق بالفساد متعلق بمسؤولين حكوميين. من خلال حظر تويتر، كانت الحكومة تهدف إلى الحد من انتشار المعلومات الحساسة وتقييد النقاش العام. أثر حظر "DNS" بشكل كبير على قدرة الناس على الوصول إلى المعلومات والتواصل بحرية، وأثار ذلك مخاوف جدية بشأن الرقابة وحق الوصول إلى المعلومات.
     المصدر قناة "DW":

    كل نوع من الإغلاقات يخدم هدفًا مختلفًا، ولكن جميعها تؤدي إلى عواقب كبيرة على التواصل وتدفق المعلومات وحقوق الإنسان الأساسية.

أثر قطع الإنترنت على حقوق الإنسان

غالبًا ما تبرر الحكومات هذه الإغلاقات بأسباب مثل:

  • الأمن القومي
  • العنف الطائفي
  • الاضطرابات العامة
  • المعلومات المضللة
  • ومنع الغش أثناء الامتحانات.

قد تبدو هذه الأسباب مشروعة، ولكن غالبًا ما تفوق عواقب الإغلاقات الفوائد المتوقعة منها، حيث إنها تقيد تدفق المعلومات الحيوية وتنتهك الحقوق الأساسية.

إن تأثير قطع الإنترنت يتجاوز كونه مجرد إزعاج، إذ إنه انتهاك خطير للحقوق الأساسية مثل حرية التعبير والوصول إلى المعلومات. خلال هذه الإغلاقات، يعمل المدافعون عن حقوق الإنسان بجد لحماية هذه الحقوق. حيث يقومون بتوثيق وتقديم تقارير عن أي انتهاكات لحقوق الإنسان تحدث بدون إشراف عبر الإنترنت، ويتأكدون من حصول الناس على المساعدة والدعم الذي يحتاجونه.

لا يعطل قطع الإنترنت الحياة اليومية فحسب، بل تعيق أيضًا الجهود الجماعية للنشطاء الذين يسعون لتحقيق العدالة. بالنسبة للمدافعين عن حقوق الإنسان، يُعتبر الوصول إلى الإنترنت أمرًا حيويًا، وهذا أمر مهم بشكل خاص لأولئك الذين يعملون على منع الانتهاكات مثل التعذيب. إن القدرة على تبادل الأساليب والاستراتيجيات والموارد عبر الحدود أمر حاسم لتحقيق المناصرة الفعالة.

جهود عالمية لمكافحة قطع الإنترنت

لحسن الحظ، هناك أدوات متاحة لتخفيف تأثير قطع الإنترنت، وتساعد بعض هذه الأدوات أيضًا في تتبع حدوثها، حيث توفر المبادرات المختلفة مثل "Internet Observatory for Digital Attacks (IODA)" و"Open Observatory of Network Interference (OONI)” منظوراً قيمآ حول ممارسات الرقابة على الإنترنت والرقابة في جميع أنحاء العالم. من خلال الاستفادة من هذه الأدوات والتعاون مع الأفراد والمنظمات ذوي الأفكار المماثلة، يمكننا العمل نحو إنترنت أكثر انفتاحًا وإمكانية الوصول وآمن للجميع.

ردًا على التوجه المتزايد لإغلاقات الإنترنت، أطلقت منظمة "Access Now" حملة #KeepItOn، التي تجمع هذه المبادرة 280 منظمة من 105 دول لمحاربة إغلاقات الإنترنت. تدعو الحملة إلى حقوق الأفراد في الوصول إلى الإنترنت بحرية، وتؤكد على أهمية الحفاظ على التواصل عبر الإنترنت، خاصة خلال الأوقات الحرجة. من خلال زيادة الوعي والضغط على الحكومات لوقف قطع، تعمل #KeepItOn على حماية الحرية الرقمية والحفاظ على حقوق الإنسان.

يمثل قطع الإنترنت تهديدًا كبيرًا لحقوقنا وحرياتنا في العصر الرقمي. من الضروري أن نظل يقظين، ويجب علينا الدفاع عن هذه الحقوق ومحاسبة المسؤولين عن هذا القطع. من خلال الاستفادة من الموارد المتاحة، يمكننا تقليل تأثير قطع الإنترنت، ويمكننا دعم مبادئ إنترنت حر ومفتوح للأجيال القادمة.