الإستفتاء الشعبي لمعارضة منح الحصانة

نظمت اللجنة الوطنية للاستفتاء الشعبي (CNR) إستفتاء في أوروغواي للشعب للتصويت على قرار الكونغرس بمنح الحصانة لمنتهكي حقوق الإنسان العاملين لدى الجيش.

تأثر كل مواطن أوروغواي تقريباً بإنتهاكات حقوق الإنسان خلال الديكتاتورية الوحشية من عام 1973 إلى عام 1984. وخلال ذلك الوقت تم مراقبة العديد من المنشقين السياسيين وتعذيبهم وقتلهم. هذا وإحتجزت الجيش والشرطة 55 ألف شخص اي ما يعادل (1 من كل 50 من مجموع السكان) و 300 ألف شخص  هاجرو إما بسبب الخوف أو بسبب التدهور السريع للإقتصاد.

خلال الإصلاحات الديمقراطية في عام 1984، لم يتم مواجهة الأنظمة القديمة السياسية العنيفة للأوروجواي من خلال التشريعات. في عام 1986، قررت ديمقراطية أوروغواي الحديثة تجاهل هذه الأنظمة كليا: حيث رفضوا السماح بإجراء تحقيقات قضائية في الجرائم التي إرتكبها الجيش خلال الديكتاتورية وذلك بمنح الحصانة للإفلات من العقاب لكل عامل بالجيش.

سعت اللجنة الوطنية للاستفتاء الشعبي إلى ممارسة الحق الدستوري في إجراء إستفتاء شعبي حول هذا القانون. من أجل تقديم طلب إلى الحكومة لإجراء استفتاء شعبي، إحتاجت اللجنة الوطنية للاستفتاء الشعبي  لجمع 25٪ من توقيعات السكان في غضون عام من إقرار القانون. أي ما يعادل 600 ألف توقيع.

يتطلب جمع ربع توقيعات السكان مهارات تنظيمية هائلة، فضلاً عن المشاركة المكثفة للمتطوعين. جاء دعم بعض المتطوعين من الأحزاب السياسية، والعديد منهم جاءوا من مجموعات الطلاب والنقابات، لكن أكبر دعم جاء من الحركات النسائية. من الجدير بالذكر أن هذه البلد تم حرمان نساءها من حقهم السياسي. حيث في ذلك الوقت لم تكن هناك ولا إمرأة واحدة في مجلس النواب في الأوروغواي.

شكّل تنظيم حركة المشاركين تحديًا كبيرًا. على سبيل المثال، خلال حملة وطنية مدتها يوم لجمع التوقيعات، نسق المنظمون جهود تسعة ألاف من المتطوعين الذين يجمعون التواقيع. إن هذا النوع من المشاريع الضخمة، وعمل الحركة، لم يكن مجديًا بدون أجهزة الكمبيوتر وجداول البيانات المستخدمة في جدولة التوقيعات.

عارضت الحكومة والمؤسسات الإعلامية المنظمين منذ البداية. تجاهلت شبكات التلفزيون والصحف في أوروغواي مجمل عملية جمع التوقيع. وعلى الرغم من هذه العقبة، فقد جمعت اللجنة الوطنية للاستفتاء الشعبي أكثر من العدد المطلوب من التوقيعات. فبعد جمع 634,702 توقيعاً وعرضها على الحكومة، كان هناك خلاف بين اللجنة الوطنية للاستفتاء الشعبي و لجنة مراجعة الإنتخابات على صحة التواقيع. تم رفض التوقيعات الداعمة للإستفتاء، والذي إعتبره الكثيرون سببا غير مقنع بالنسبة لمعظم المنظمين والمؤيدين، كانت صلاحية لجنه  المراجعة الإنتخابية والإصلاح الديمقراطييتطلب مراجعة عادلة. على عكس عملية جمع التوقيعات، خاضت المعركة حول قبول التوقيعات في العلن، هذه المرة بمعارضة شديدة من وسائل الإعلام. أعطيت اللجنة الوطنية للاستفتاء الشعبي إنذاراً نهائياً: فهي تحتاج إلى التحقق من آلاف التواقيع حتى يتم إجراء الإستفتاء. في النهاية، عملت اللجنة الوطنية للاستفتاء الشعبي على التحقق من صحة 10 ألاف توقيع آخر.

الصعوبات لم تنته عند وضع الإستفتاء. إستمرت المعارضة الشديدة في وسائل الإعلام. في الواقع، تلقت الأحزاب المؤيدة بغاية الإفلات من العقاب أكثر من ثلاثة أضعاف التغطية الإعلامية. وردا على ذلك، ركزت اللجنة الوطنية للاستفتاء الشعبي (CNR) كل طاقتها على تنظيم القاعدة الشعبية، الخروج بمسيرات، توزيع المنشورات، تعليق اللافتات، صناعة الملصقات، عقد المهرجانات الموسيقية، وماراثون الدراجة وما شابه ذلك.

تم إجراء الاستفتاء وكانت نسبة المشاركة عالية. لكن على الرغم من جهود اللجنة الوطنية للاستفتاء الشعبي (CNR)، إختار 51٪ من الناخبين تأييد الإفلات من العقاب، وفي تلك الليلة أصدرت اللجنة الوطنية للاستفتاء الشعبي بيانا صحفيا قالوا فيه أنهم قبلوا النتائج. وعلى ذلك، تم حل اللجنة الوطنية للاستفتاء الشعبي  في اليوم التالي.

على الرغم من أن الإستفتاء لم ينجح، كان لعمل اللجنة الوطنية للاستفتاء الشعبي (CNR) تأثير كبير في المشهد السياسي في الاوروغواي. حيث تم زيارة واحد من كل ثلاثة من الأوروغوايين من قبل متطوعي اللجنة الوطنية للاستفتاء الشعبي  خلال الحملة - مما يُعد نجاحاً في أي بلد ديمقراطي. منذ ذلك الحين، تمت محاولة إجراء ثمانية استفتاءات شعبية. خلق عمل اللجنة الوطنية للاستفتاء الشعبي أداة جديدة لتشكيل الديمقراطية في الاوروغواي. واصل القادة والمتطوعون من اللجنة الوطنية للاستفتاء الشعبي  لعب دور في السياسة. على سبيل المثال، أصبح أمين خزانة اللجنة الوطنية للاستفتاء الشعبي  وعضو اللجنة التنفيذية تاباراو فاسكيز (Tabarao Vasquez) عمدة مونتيفيديو.

التكتيكات الجديدة في حقوق الإنسان لا تناصر أو تؤيد تكتيكات أو سياسات أو قضايا محددة.

ما هي الأمور التي نتعلمها من هذا التكتيك: 

يمكن أن تنطبق فكرة إجراء استفتاء عام على أي موقف تعارض فيه الحكومة الرأي العام. ومع ذلك، فإنه يتطلب وجود حكم لهذا الإجراء الاستفتاء في البلد أو المجتمع. يجب أن تكون المنظمة التي ترغب في تنظيم استفتاء على علم بالأحكام الخاصة بهذا الإجراء، وجدوى المشروع، وفرصة النجاح. يجب أن تتوفر لديهم الموارد الكافية، من الناحية المالية ومن حيث الموظفين أو المتطوعين، لتنفيذ حملة. كما يجب أن يكونوا على دراية بالمناخ السياسي لبلدهم أو مجتمعهم، لأنه في بعض الحالات قد يكون من الخطر التصرف بطريقة سياسية علنية بطريقة تعارض من هم في السلطة. ومع ذلك، يمكن أن يكون تنظيم الاستفتاء أداة قوية يمكن للناس من خلالها لعب دور أكبر في السياسة التي تؤثر عليهم.