عرض عام
لقد نجحت حملة الظلام من أجل الضوء في استقطاب ثلاثين مليون شخص في تركيا ليقوموا باستحداث ومضات ضوئية باستخدام أنوار منازلهم كتظاهرة عامة ضد الفساد الحكومي. فالفساد ما زال سراً معلناً، ومع ذلك فإن الجمهور يشعر باللامبالاة والعجز تجاه وضع نهاية له. وتحتاج المنظمات، في ظل تخوف المواطنين من المشاركة في النشاط السياسي، إلى إيجاد تكتيك ينطوي على مخاطر شخصية قليلة يمكن من خلاله التغلب على الشعور بالعزلة الذي يترافق مع الشعور بالخوف. لقد منحت الحملة الناس فرصة القيام بنشاط سهل وعديم المخاطر يستطيع كل شخص ممارسته ببساطة من خلال إطفاء أنوارهم في وقت واحد كل مساء، وذلك للتعبير عن عدم سرورهم تجاه الافتقار إلى نشاط منسق ضد الفساد.
لقد تم في الأصل إيجاد تصور للحملة في إطار التجاوب تجاه فضيحة كشفت وجود ارتباطات واسعة ما بين موظفين حكوميين وما بين الجريمة المنظمة. لقد أطلق المنظمون في الشهر الذي سبق الواقعة حملة دعائية واسعة، حيث قاموا بتشكيل تحالفات مع منظمات ريفية واتحادات عُمّالية وطلبوا منهم إرسال التماسات بالفاكس ومعلومات حول حملة الاحتجاج لأعضائهم، والذين يتوجب عليهم بالتالي إرسال فاكسات لأصدقائهم ولمن يمكنهم الاتصال بهم. وقد تم أيضاً تجنيد كاتبي أعمدة في الصحف وشخصيات إذاعية ومذيعي تليفزيون للعمل على توجيه رسائل تذكير بهذا الشأن للجمهور.
واقترح المنظمون في الأصل بأن يعمد المواطنون إلى إطفاء أنوارهم لمدة دقيقة واحدة كل ليلة إلا أن الناس بدأوا بإضاءة وإطفاء أنوارهم باستمرار. وعندما حلّ الأسبوع الثاني لبدء الحملة بدأ الناس بارتجال واستحداث خطوات أخرى في الشارع بما في ذلك الدّق على قدور الطبخ والقلي. وعندما قرر المنظمون وقف هذا النشاط كان قد مضى على استمرار الحملة شهر واحد أو أكثر.
وعلى الرغم من أن بعض المسؤولين ممن طالتهم الفضيحة ما زالوا أعضاء في البرلمان، إلا أنه حدث الكثير من التغييرات السياسية والقانونية منذ بدء الحملة بما في ذلك محاكمة العديد من رجال الأعمال ورجال الشرطة والعسكريين وزعماء المافيا، كما نظمت حملات داخل البرلمان ضد الفساد وتم استبدال العديد من السياسيين الذين فشلوا في التعامل مع الفساد المستشري في الدولة.
لا يقر مشروع التكتيكات الجديدة في حقوق الإنسان أو يؤيد تكتيكات أو سياسات أو قضايا معينة.
في تركيا أدت مشاركة أعداد كبيرة من الناس في حملة أدت ليس فقط إلى توفير إجراء من إجراءات الأمان بل أيضاً إلى تشجيع عدد أكبر وأكبر من الناس – وصل تعدادهم مؤخراً إلى ملايين – للانخراط في الحملة.
ولقد كانت الخطوة التي طُلب من الناس القيام بها بسيطة بصورة غير اعتيادية، حيث لم تستدعي القيام بأية استعدادات، كما لم تتطلب سوى القليل جداً من الالتزام، الأمر الذي شجع على المشاركة الواسعة من جانب الجمهور. ولهذا فإن هذا التكتيك كان سهل التكيف من حيث المفهوم كي يتم تطبيقه على أوضاع أخرى. وفي الحقيقة فلقد تم استخدام تكتيكات مماثلة في أحوال عدة في كافة أرجاء العالم. ففي زامبيا قام الناس بإطلاق أبواق سياراتهم في ساعة معينة كل يوم جمعة للاحتجاج على قرار رئيس الدولة تغيير الدستور كي يبقى في السلطة. وفي تشيلي احتج الناس على حكم الرئيس بينوشيه من خلال إطلاق أبواق سياراتهم والدق على قدور الطبخ والقلي عبر نوافذ شققهم، وكذلك تنظيم المسيرات في الشوارع. إن العامل المشترك لتلك الحملات هو محاولة جعل طبيعة انتشار اهتمام الجمهور واضحة أمام شعب يسيطر عليه الخوف ويشعر بالعزلة والانكماش والهزيمة.
إن التكتيكات التي تتصف بهذه الطبيعة تتميز بأنها تتمكن من جعل ما هو غير منظور ظاهراً ومكشوفاً. ويتعين قياس تلك التكتيكات من خلال قدرتها على إثارة شعور بالتكاتف لدى الناس، والمساعدة على إعادة خلق مساحة سياسية جديدة تمكّن مواطنين أكثر من العمل معاً.
وعلى الرغم من أن هذا التكتيك يتصف من حيث المفهوم بالبساطة إلا أنه من غير السهل استنساخه، فالمنظمون لم يتمكنوا من إحياء تكتيكهم بنفس الزخم بعد أشهر قليلة وذلك على الرغم من وجود قضايا وآليات عديدة مماثلة. فإذا ما تم تحقيق ذلك مرة فإن زخم مثل هذا التكتيك يجب كبحه لدفع الحركة قُدماً إلى الأمام.