كتابة Malhis في
بقلم أيمن ملحيس - منسق أول الإعلام الرقمي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا / التكتيكات الجديدة في حقوق الإنسان
بينما نتعرض بشكل متزايد للأحداث العالمية من خلال شاشات هواتفنا الذكية، يشهد العالم عدداً متزايداً من الصراعات المسلحة الكارثية، ومع ذلك، فإن العديد من هذه الصراعات تحصل على قدر قليل من الاهتمام من قبل الصحف والقنوات الإعلامية الرسمية. إذ أنه وفي عام 2023 وحده، كان هنالك 59 حربا نشطة كل منها لها تكاليف مدمرة وتداعيات على المجتمعات التي تعيشها.
وتلعب تكتيكات التضامن دورًا حيويًا في تسليط الضوء على الانتهاكات التي تحدث في مناطق الحرب، وتعمل على تقديم الدعم النفسي والمعنوي للضحايا. وتتجسد هذه الأعمال حاليًا في الجهود التي يبذلها النشطاء على مستوى العالم دعمًا للشعب الفلسطيني في غزة.
فمن المدن إلى القرى، ومن مختلف البلدان والأديان، احتشد المناصرون في جميع أنحاء العالم للتضامن مع حقوق الإنسان للشعب الفلسطيني في غزة. ونسعى من خلال هذه الأمثلة إلى تمكين المدافعين عن حقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني ليكونوا قادرين على زيادة الوعي وبذل المزيد من الجهود من أجل تحقيق العدالة والمساءلة، وبناء مستقبل أفضل لصالح الفئة المتضررة من الحرب.
تكتيك رمزي تخليدًا لذكرى الأطفال
في هولندا، نظمت منظمة "ازرع شجرة زيتون" تكتيك جديد لإحياء ذكرى آلاف الأطفال الفلسطينيين الذين فقدوا أرواحهم في غزة.
حيث عرضة هذه المنظمة مجموعة من أحذية الأطفال التي تروي قصة مأساوية عن حرب لا ترحم، حيث يمثل كل زوج من الأحذية الصغيرة قصة حياة بريئة انتهت قبل أوانها. حيث رافق هذه الأحذية رسالة مؤثرة مكتوبة على ورقة تحمل أسماء وأعمار الأطفال، تقول: "لديهم أسماء، كانت لديهم أحلام". وبدأ هذا العرض الحزين بـ 8000 زوج في ديسمبر الماضي، ليزداد بشكل مؤسف إلى 16000 زوج في يونيو الحالي.
يعبر هذا الفعل الرمزي عن كيف يمكن لرواية القصص بشكل بصري أن تضفي طابعاً إنسانياً على المآسي وتحفز الحشد العام على التدخل.
نداء إلى الضمير الأخلاقي لصانعي القرار
في أكتوبر 2023، قامت منظمة "أصوات يهودية من أجل السلام" بالتعاون مع IfNotNow بتنظيم اعتصام داخل مبنى الكابيتول الأمريكي ومسيرة خارجه في واشنطن العاصمة. حملت رسائلهم الإنسانية شعارات مثل "ليس بإسمنا"، و "لن يتكرر ذلك أبدا"، و"أوقفوا إطلاق النار الآن"، مطالبين بإنهاء الحرب.
شهد العالم موجة عارمة من الاحتجاجات، حيث خرجت مئات الآلاف من الحشود إلى الشوارع في مختلف أنحاء العالم وأثارت هذه المظاهرات العالمية واسعة النطاق دعوات متزايدة للاعتراف بالدولة الفلسطينية، حيث انضمت أيرلندا والنرويج وإسبانيا إلى قائمة الدول التي أعلنت رسميًا دعمها لهذا الحق المشروع. هذا التطور يؤكد أن قضية فلسطين باتت قضية رأي عام عالمي، وأن العمل الجماعي المنظم يمكن أن يساهم بشكل فعال في تغيير الهوية الثقافية والمعادلات السياسية.
مصدر الصورة: جيم لو سكالزو/EPA-EFE/Shutterstock
صور مرئية للدفع نحو التغيير
في تكتيك رمزي قوي، حوّل النشطاء في مدينة ليون الفرنسية نافورة المدينة إلى رمز للإبادة الجماعية. حيث صبغ ماء البركة باللون الأحمر تشبيهًا بحمام الدم، أطلقوا رسالة واضحة تطالب بالعدالة. حيث أدان هذا التكتيك برمزيته قتل الأطفال الأبرياء في غزة. يمكن أن يكون هذا التكتيك شرارة لحركات احتجاجية جديدة تلهم المدافعين عن حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم لتطوير تكتيكات أكثر إبداعًا.
إظهار علني للتضامن
في الذكرى الـ 76 للنكبة، والتي تمثل ذكرى تهجير الفلسطينيين في أيار/مايو 1948 من وطنهم، شهدت شيكاغو (الولايات المتحدة الأمريكية) تكتيك رمزي آخر، حيث تجمع مجموعة من النشطاء لرفع العلم الفلسطيني فوق أفق المدينة، مؤكدين على استمرار النضال الفلسطيني وحقه في الحرية والاستقلال. وكانت هذه اللفتة تعبر عن عملاً رمزياً قوياً يُذكّر بنضال وتضحيات وصمود الشعب الفلسطيني.
يؤكد هذا التكتيك على أهمية الأعمال الرمزية العامة في الحفاظ على الذاكرة التاريخية وحشد الدعم المستمر. أكدت الإجراءات المتخذة في الجمعية العامة للأمم المتحدة في 10 مايو 2024 على حق الفلسطينيين في إقامة دولتهم وتقرير المصير والسعي لتحقيق العدالة.
احتجاجات تدعو إلى سحب الاستثمارات من الحرب والاحتلال
في كندا، نظم الطلاب في جامعة تورنتو اعتصاماً احتجاجياً مستمراً على أرض الحرم الجامعي. ودعى الطلبة إدارة الجامعة إلى سحب استثماراتها وقطع علاقاتها المالية مع إسرائيل. وكانت هذه واحدة من العديد من الاحتجاجات المماثلة في الحرم الجامعي التي تدعو إلى المحاسبة واتخاذ موقف. وقد نجح بعضها في تشجيع سحب الاستثمارات. على سبيل المثال، أعلنت جامعة ولاية ساكرامنتو أنها لن تستثمر بعد الآن في "الشركات التي تستفيد من الإبادة الجماعية والتطهير العرقي والأنشطة التي تنتهك حقوق الإنسان الأساسية". وقد أبرم العديد من الجامعات الأخرى اتفاقات مع مجموعات طلابية لمناقشة مخاوفهم بشأن الاستثمارات الجامعية.
وقد أدت هذه الحركة الدولية المتنامية للتضامن الطلابي مع فلسطين إلى تضخيم الدعوات إلى العدالة داخل وخارج المجتمعات الجامعية. وتدعو إلى اتخاذ موقف ملموس ضد المظالم التي يواجهها الشعب الفلسطيني. ويمكن الاستفادة من هذا التكتيك وتكراره في سياقات مختلفة.
تصوير: ماكسيم سوكولوف/ Wikipedia Commons
دور المشاهير في دعم حقوق الإنسان
وفي تشيلي، دخل لاعبو نادي ديبورتيفو بالستينو الملعب وهم يمسكون بأيدي أطفال "أشباح" قتلوا في غزة، ويلفونهم بشكل رمزي بستراتهم. سلطت هذه البادرة المؤثرة الضوء على محنة الأطفال الفلسطينيين إلى جمهور عالمي، وأظهرت كيف يمكن للرياضة أن تكون منصة للعدالة الاجتماعية.
على صعيد آخر، أثبتت الممثلة الأسترالية كيت بلانكيت مجددًا التزامها بالقضية الفلسطينية من خلال بيان قوي أصدرته عبر منصات التواصل الاجتماعي، وبدعمها اللامحدود للشعب الفلسطيني. وقد تجسد هذا الالتزام في إطلالتها اللافتة على سجادة مهرجان "كان السينمائي"، حيث ارتدت فستانًا أسودًا مزينًا بلمسة خضراء، مكونة مع السجادة الحمراء ألوان العلم الفلسطيني. ولم تتوقف بلانكيت عند هذا الحد، بل استخدمت منصاتها على وسائل التواصل الاجتماعي لتوجيه نداءات عاجلة إلى صناع القرار، مثل الرئيس الأمريكي جو بايدن، داعيةً إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة. وتعتبر بلانكيت واحدة من أبرز الشخصيات الفنية التي انضمت إلى حركة Artists4Ceasefire، والتي تجمع نخبة من الفنانين والمبدعين المطالبين بوقف إطلاق النار في غزة. كما شارك العديد من المشاهير الآخرين إلى وقف إطلاق النار في غزة في الأشهر الأخيرة.
شهدت منصات التواصل الاجتماعي تحولاً كبيراً في كيفية تفاعل الأفراد مع القضايا العالمية، حيث انتقل صانعو المحتوى ومتابعوهم إلى هذه المنصات للبحث عن المعلومات والتحرك. ففي حالة الأحداث في غزة، قام مستخدمو انستغرام وتيك توك بتنظيم حملات واسعة النطاق، مثل حملة "حظر"، للضغط على المؤثرين للتعبير عن دعمهم للقضية الفلسطينية. كما شهدنا مبادرات إبداعية مثل حملة "تمرير القبعة" التي جمعت بين منشئي المحتوى والعائلات الفلسطينية، والتي ساهمت في تسليط الضوء على معاناتهم وجمع التبرعات.
تظهر كل هذه التكتيكات دور الشخصيات المؤثرة في تسليط الضوء على انتهاكات حقوق الإنسان. والحقيقة المؤسفة هي أن العديد من الصراعات العالمية مستمرة دون الاهتمام الذي تستحقه. يمكن للمشاهير والمؤثرين زيادة الوعي والدعوة إلى التغيير بشكل أكثر فعالية.
باختصار
تجمع الجهود العالمية للتضامن مع غزة، والتي تتراوح بين العروض الفنية الاحتجاجية والفعاليات التذكارية، على هدف واحد: الدعوة إلى الوقف الفوري لإطلاق النار وتحقيق العدالة والسلام الشامل. هذه الحركة العالمية، التي تستلهم قوتها من الأفراد والمجتمعات الذين يتخذون موقفًا حازمًا، تؤكد على أهمية الوحدة والتضامن في مواجهة المآسي الإنسانية.
وفي الوقت الذي كانت فيه الأصوات ترتفع مطالبةً بوقف العنف، كانت غزة تشهد مأساة إنسانية متفاقمة، حيث تزايد النزوح بشكل كبير وتعددت الخسائر في الأرواح. وقد وصلت الأزمة إلى مستويات كارثية، إذ حذرت تقارير محكمة العدل الدولية ومجلس حقوق الإنسان التابعين للأمم المتحدة من تفاقم المجاعة في القطاع واحتمالية وقوع إبادة جماعية. ولم تتوقف المعاناة عند هذا الحد، فقد تعرضت البنية التحتية الحيوية لضربات موجعة، مما أدى إلى تدمير شامل للخدمات الأساسية كالمياه والصرف الصحي والطاقة والغذاء، الأمر الذي سيستغرق عقوداً لإعادة إعماره.
إن العمل من أجل تحقيق حقوق الإنسان يتطلب جهدًا مستمرًا. إذ يجب على المدافعين عن حقوق الإنسان أن يبذلوا قصارى جهدهم لتطوير وتنويع الأساليب التي تدعو إلى السلام والبناء. ومن خلال تبني تكتيكات مبتكرة، يمكننا أن نسعى جاهدين نحو مستقبل يسود فيه السلام والكرامة والعدالة.
- دخولتسجيل الدخول أو إنشاء حساب جديد للتعليق.