تقييم الإحتياجات كأداة لتطوير حملات التغيير المجتمعي.

main image

زينب متالي

كيف يساهم تقييم الإحتياجات في تقليص الفجوة  في حملات التغيير المجتمعي؟

يأتي هذا المقال في إطار تسليط الضوء على أهمية استعمال تقييم الاحتياجات كأداة لتطوير حملات التغيير المجتمعي، من خلال  تقليص الفجوة، ولتحديدها لابد من فهم جذور المشكلة التي تستدعي التدخل من أجل التغيير، وفي أغلب الحالات يجد الناشط المدني نفسه في نقطة تقاطع مع العديد من المشاكل الأخرى التي يختلف أثرها في الواقع من بيئة لأخرى، إضافةً إلى التحدي المشترك بين جميع الحملات، وهو محدودية الموارد (سواءً البشرية كوجود كوادر متخصصة في مجال المتابعة والتقييم أو المالية التي تتضمن وجود موارد مالية مخصصة لتنفيذ أنشطة المتابعة والتقييم) التي قد تكون عائقاً في وجه إستمرارية الحملة أو تطورها بشكل يسمح لها بتحقيق أهدافها التي نشأت من أجلها. لذلك كان من اللازم العمل على فهم هذا المشكلة وتحديد نقطة التدخل الأولى من خلال إستعمال أدوات التقييم وجعلها في متناول نشطاء وناشطات حقوق الإنسان.

كيف يساهم التقييم في تحديد الأوليات وما هي أهميته في تطوير الحملة؟

إن الحملات التي تشتغل على خلق فارق في المجتمعات المحلية تواجه تحديات عديدة مثل تركيزها على تحقيق الهدف الإستراتيجي من الحملة الذي قد يتطلب في العديد من الأحيان تظافر الكثير من الجهود والتنسيق مع كافة الجهات المعنية، مما يجعل فريق العمل أحياناً يشعر بنوع من الإحباط في حالة عدم تحقيق الهدف خصوصاً في حملات المدافعة التي تستهدف التأثير على صاحب القرار، كمثال  على ذلك حملة تعدف للضغط على البرلمان من أجل إحداث تعديل قانوني معين عن طريق التصويت على قانون جديد.

كذلك الحملات التي تعمل على عدة مستويات متداخلة ومعقدة أحياناً بسبب السياق المحلي، أو لتراكم خبرة سنوات من العمل في نفس الحملة، أو تحديد هدف إستراتيجي يستوجب سنوات لتحقيقه مع فهم أعمق لكل الجهات المأثرة سواء من حلفاء أو من معارضين.

لذالك خلال هذه الفترة من عمر الحملات من الأفضل العمل على تقييم الإحتياجات والتفكير بشكل جماعي وتشاركي من قبل فريق الحملة حول: كيفية  الاستفادة من التقييم كأداة لتطوير الحملة؟ وكيف يمكننا تحديد الخطوات المقبلة لحملتنا بشكل مدروس والتعرف على التحديات التي تواجه فريق الحملة؟ للإجابة على هذه الأسئلة، الأمر يستلزم خطوات مدروسة ومحددة لإجراء مبادرة لتقييم الاحتياجات.

ما الذي نقصده بتقييم الإحتياجات؟

يتم تعريف تقييم الاحتياجات (Needs Assessment): هي عملية مراجعة لتحديد الاحتياجات والفجوة بين الوضع الحالي والوضع المرغوب الوصول إليه، وهي عملية أساسية ضمن التخطيط تستخدم لمعرفة القدرات الحالية، ومعرفة الأمور الواجب تحسينها للوصول إلى الوضع الأفضل. وبطريقة أخرى، ما هي الأولوية الآن التي من اللازم إستيعابها أكثر من طرف فريق الحملة، التي من خلالها سيقوم بتطوير القادم، فتم تحديد هذه الأولوية: كيف من الممكن أن يساهم تقييم إحتياجات الجهات المعنية  في تطوير القادم من الحملة مع الإحتفاظ بنفس الهدف ونفس الرؤية؟

رسم المسار

في سياق منخفض الموارد حيث يكون إجراء تقييم الاحتياجات إما مكلفًا للغاية أو غير ممكن، يمكن لفريق الحملة القيام بخطوة "رسم المسار" حيث تشير هذه الخطوة إلى دمج الفكر التقييمي في الحملة دون الشعور الى الحاجة لاتباع أساليب بحثية صارمة  مما يمنح القائمين على الحملة مساحة لإلقاء نظرة تحليلية على الاحتياجات المختلفة لأصحاب المصلحة.

كما سبق الإشارة إليه، فإن مجال التغيير الاجتماعي يشهد مشاركة واسعة من مؤسسات الدولة ومنظمات المجتمع المدني والأفراد المتأثرين بالقضية، وفي هذا السياق، نلقي نظرة على حملة "ماتخافيش" في المغرب كمثال، حيث تهدف إلى دعم النساء والفتيات ضحايا العنف الرقمي من خلال توفير مساحة آمنة للنساء والفتيات ضحايا العنف الرقمي عن طريق تعزيز الثقافة القانونية وتوفير معلومات حول السلامة الرقمية وخدمات الدعم النفسي،  ولفهم وجهة نظر العاملين على القضية تم تنفيذ جرد شامل للفاعلين والمتدخلين في مجال مكافحة العنف الرقمي، حيث تم اختيار الأكثر تأثيرًا منهم من خلال إجراء مجموعات تركيز، هذه الجهود هدفت إلى توضيح المسار من وجهة نظر الضحية ومن وجهة نظر السلطة المختصة وفهمه بشكل أفضل، وذلك من أجل الإجابة على تساؤلات مهمة: كيف يمكننا فهم دور كل جهة معنية في قضية العنف الرقمي؟ وما هي حدود هذا المجال؟ وما هي العقبات التي قد تعترضهم أو الفرص التي قد تنشأ أمامهم في تحقيق التغيير؟

تم استخدام نشاط رسم المسار لدمج بعض أفكار مجال التقييم مع أفكارالتخطيط الاستراتيجي لفهم احتياجات الجهات المعنية حيث لكل جهة  مسار يستوجب فهمه  وكيف يتقاطع مع متدخل آخر  وفي أي مجال جغرافي وفي أي سياق سياسي موجود، فعن طريق مجموعة التركيز الأولى والتي كانت تضم أهل القضية أو أصحاب المصلحة،  و يمكن تعريفهم كالآتي:  هم أول من سيتغير وضعهم بعد تحقيق الهدف وإحداث التغيير، تم رسم بياني كما سترونه في الصورة الأولى.

 

إن فهم هذا المسار تطلب عقد جلسة مجموعة تركيز مع المرأة المعنفة إلكترونيا أو لقاءات واحد لواحد تمتد لخمسة وأربعين دقيقة من أجل فهم مسار وتحديد الفجوة. خلال هذه الفترة، كان فريق العمل في كل مرة يجمع ويرتب المعلومات ويقوم بإعادة رسمها و تسجيل المقترحات منها، والاتفاق بشكل تشاركي حول ما تم رصده في المسار.

ودائما من أجل فهم كيفية تدخل الجهات المعنية الأخرى، تم رسم مسار من وجهة نظر أخرى: كيف تتدخل السلطة المعنية في حالة التعرض للعنف الرقمي؟

فمن منظور تقييمي، يظهر لنا في الصورة الثانية أجزاء غائبة في المسار الأول، فحصر التدخل في مجيئى المرأة المعنفة وتحرير المحضر وأخد الشكاية المسار القضائي يجعل القارئ يطرح عدة أسئلة من بينها: إلى أي حد هذا المسار يعتبر آمن وحامي لحقوق الضحية؟ كيف من الممكن تحدي إرفاق الأدلة والإحتفاظ بها وتحرير محضر من المفوض القضائي مثلا، متاح لكل من تعرضت لأحد مظاهر العنف الرقمي؟

إن كل من المساريين وبعد تجميع كل المعلومات والإستماع المباشر، نرى كما يظهر في الصورتين  مساريين مختلفين ويمثلان وجهة نظر متباعدة رغم حرص كل منها على تحقيق نفس الرؤية وهي: تمكين النساء ضحايا العنف من حقهم في الذهاب إلى القضاء وتحقيق العدالة الجنائية.

وهي رؤية طموحة وإيجابية تسعى لسيادة القانون وتعزيزه وحماية حقوق الضحايا، ومن خلالها أيضا يتم معرفة كل الجهات المعنية التي تطمح لتحقيق نفس الرؤية لكن بوسائل أخرى وأدوات للتغيير مختلفة، وهذا ما ساهم في توضيحه رسم المسار، حيث ظهر لفريق الحملة أهمية تقييم الإحتياجات وفهم الفجوة الموجودة، مما سيساهم أكيد في تقديم توصيات لتقليص هذه الفجوة.

فرسم مسار كل جهة معنية وفهمه وتتبعه، ساهم بشكل كبير في رسم خريطة لكل المتدخلين في المجال واستيعاب أعمق لحاجيات الحملة في المراحل المقبلة، إضافة إلى أنه ساهم في بناء صورة شاملة وكبيرة للحملة وكيفية ترتيب الأولويات وإختيار الجهات الأقرب والتي تسعى لتنفيذ نفس الرؤية.

توصيات:
إن تقييم الإحتياجات من خلال رسم المسار للجهات المعنية وفهم الموضوع من وجهة نظر مخلتفة  رغم تقاطعهما في تحقيق الرؤية، ساهم بتطوير عمل الحملة مستقبلا وتحديد الفجوة التي سيم العمل على تقلصيها من خلال تكتيكات محددة (وهنا يظهر بقوة أهمية التقييم لنشطاء المجتمع المدني  كمهارة مهمة وملازمة لهم أثناء عملهم، حتى يكون هناك خيط ناضم بين الرؤية والهدف والتكتيك، وكيف يجعل التقييم المستمر، العمل منظماً وواضحاً و فهم أكبر للمجال والسياق المحلي الذي تختلف خصوصيته). كذلك، ساهم رسم المسار في تجاوز تحدي قلة الموارد، فتطوير منهجية التقييم بما يتناسب مع النشطاء الذي عملهم في الأساس يهدف إلى إحداث تغيير مجتمعي.