يتيح هذا التكتيك فرصة للسعي لتحقيق العدالة التي حُرِم منها الضحايا الذين تعرضوا لانتهاكات جسيمة في بلدانهم الأصلية.
الصورة: ستيفاني هانكوك/هيومن رايتس ووتش
الولاية القضائية العالمية ومحاكمة حسين حبري
تُعد الولاية القضائية العالمية مبدأً قانونيًا في القانون الدولي يكتسب اعترافًا متزايدًا من الدول حول العالم كوسيلة فعالة لمكافحة الإفلات من العقاب. تسمح هذه الولاية للمحاكم الوطنية بمحاكمة الجرائم بغض النظر عن مكان وقوعها أو جنسية الجاني أو الضحية، خاصةً عندما يتعلق الأمر بجرائم تعتبر خطيرة جدًا لدرجة أن المساءلة عنها يجب أن تهم الإنسانية جمعاء.
تُعتبر محاكمة الديكتاتور التشادي السابق حسين حبري، التي جرت في السنغال، مثالًا بارزًا على تطبيق هذا المبدأ. فقد كانت هذه المحاكمة رائدة، حيث أنها كانت الأولى التي تُجرى لزعيم سابق من قبل محكمة مدعومة من الاتحاد الإفريقي. في 30 مايو 2016، وجدت محكمة الغرف الإفريقية الاستثنائية حسين حبري مذنبًا بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، واغتصاب، وعبودية جنسية، وأصدرت بحقه حكمًا بالسجن مدى الحياة.
تمثل قضية حبري انتصارًا كبيرًا في تعزيز استخدام الولاية القضائية العالمية، كما تسلط الضوء على الفوائد والتحديات التي تواجه تطبيق هذا المبدأ، مما يفتح آفاقًا جديدة للعدالة في قضايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.
من القمع إلى العدالة
تأسست الجمعية التشادية لضحايا الجرائم والقمع السياسي (AVCRP) في عام 1991 من قبل سليمان غينغونغ والناجين الآخرين من نظام حبري الوحشي وذلك للمطالبة بالعدالة والتعويض للضحايا. والتي أصبحت في وقت لاحق رابطة ضحايا نظام حسين حبري (AVCRHH). وقد بدأت المحاكمة في السنغال في 20 يوليو / تموز 2015 والتي تتطلبت بذل جهد أكثر من 20 عاما في المساءلة التي ركزت على الضحايا – حتى بدأت تؤدي وتؤتي ثمارها. هذا وقد شهد 93 شاهدا، معظمهم كان قد سافر من التشادية شهدوا على التعذيب والإغتصاب والاستعباد الجنسي وعمليات الإعدام الجماعية وتدمير القرى بإكملها. لولا تمسك الضحايا بالقضية ما كان للمحاكمة ان تحدث أبدا في السنغال. وقد أيدهم بشكل اساسي محاميان تشاديان هما جاكلين مودينا ودلفين جيرايبي – بدعم من منظمة حقوق الإنسان، هذا وقد قاموا بإكتشاف ملفات مهملة من الشرطة السياسية في هابري والتي تحتوي على اسماء آلاف الضحايا. وقد تم الوصول الى ذلك بعد بذل جهود متواصلة من قبل ائتلاف يتكون من الاتحاد الأفريقي لحقوق الإنسان، والاتحاد الدولي لرابطات حقوق الإنسان (FIDH)، والجمعية الأروبية للدفاع عن حقوق الإنسان (AEDH)، والجمعية الأفريقية للدفاع عن حقوق الإنسان، (RADDHO)، وغيرهم.
ان حسين حبري رئيس تشاد من عام 1982 إلى عام 1990. وقد فر إلى السنغال بعد أن أطيح به في عام 1990 من قبل الرئيس الحالي إدريس ديبي إتنو. وبعد اتهام لجنة الحقيقة عام 1992 نظام حبري بـ 40000 اغتيال سياسي وتعذيب منظم. ألقي القبض عليه في عام 2000 وتم إلقاء التهم عليه في السنغال. وحكم عليه على مدى السنوات الـ 12 المقبلة ، ظلت المحاكمة معلقة ضد حبري، لأنه بعد تدخل سياسي من السلطة التنفيذية، قضي الأمر بعدم اختصاص المحاكم السنغالية بإصدار الأحكام القضائية على الجرائم التي لم تُرتكب في السنغال.
ضمان العدالة عبر الحدود
في السنوات العشرين الماضية، حدثت زيادة بشكل رئيسي و ليس حصري في إستخدام الولاية القضائية العالمية، من قبل المحاكم في البلدان الأوروبية. وشملت القضايا في المحاكم الأوروبية جرائم ارتكبت في رواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وأفغانستان وغواتيمالا وكوسوفو والعراق وليبريا والبوسنة والهرسك والأرجنتين وسوريا وغيرها. أما القضية المرفوعة ضد حبري في السنغال فقد شكلت سابقة أخرى مشابهة لقضية عام 1999 ضد الدكتاتور الشيلي السابق بينوشيه.
كما وقد أثبتت قضية حبري، أنه عندما لا يمكن مقاضاة المشتبه بهم عن الجنايات و الجرائم الموجها لهم أمام محاكم الدولة أو أمام المحكمة الجنائية الدولية بسبب نظامها الأساسي، تصبح الولاية القضائية العالمية شبكة أمان مهمة لضمان عدم قيام المشتبهين بإرتكاب فظائع أخرى و عدم تمتعهم بالإفلات من العقاب في دولة ثالثة.
موازنة العدالة والسيادة
شجع الاتحاد الإفريقي الدول الأعضاء فيه على تبني تشريعات قضائية عالمية ضد جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية. وفي نفس الوقت، في 2012 خلال مؤتمر القمة التاسع لجمعية الاتحاد الإفريقي، شارك الأعضاء مخاوفهم بشأن “تعسف إستخدام الولاية القضائية العالمية”. حيث تنشئ أحد مجالات القلق من تأثير السياسة على العملية، حيث ينظر إليها على أنها متحيزة، وقد تؤثر على سيادة الدول الأفريقية. وإستجابا على ذلك، في عام 2014 اعتمد الاتحاد الأفريقي نموذج قانون بشأن الولاية القضائية العالمية، حيث قدمت المحكمة الدستورية في جنوب أفريقيا دليلاً وتفويض للتحقيق في الجرائم المستندة إلى الولاية القضائية العالمية.
في قضية حبري ، قامت بلجيكا بضغوطات حاسمة لتقديم دعوة للقضية، مطالبة بتسليمه للمحاكمة. وقد بدأ سريان مفعول التشريع الخاص بالولاية القضائية في بلجيكا في عام 1993 وقد شمل الولاية القضائية العالمية على الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية والإبادات الجماعية بالإضافة إلى جرائم الحرب. هذا وتبين مجموعة واسعة من الحالات الأثر الهام للولاية القضائية العالمية على الضحايا و على البحث عن العدالة ومكافحة الإفلات من العقاب.
لقد شكلت المحاكمة في السنغال بالفعل سابقة. حيث أن بالواقع، لا يزال إستخدام المحاكم الوطنية للولاية القضائية العالمية ظاهرة نادرة. إذ إتخذت الدول خطوات قليلة لضمان التنفيذ الفعلي للولاية القضائية العالمية في محاكمها. ومن بين الحواجز التعريف الغامض للجرائم، وعدم إدراج المبدأ في القانون المحلي، وصعوبة تقديم الأدلة في مجالات مثل الإستجوابات والوثائق والشهود.
منارة أمل للضحايا
وحتى إذا كان الولاية القضائية العالمية غير ممكنه في كثير من الحالات ، فإن الولاية القضائية الجنائية الدولية تعوض بعض نقاط الضعف في الولاية القضائية الجنائية المحلية. لذلك ، كانت الولاية القضائية العالمية بمثابة دعوة إقاظية للطغاة في كل مكان. الولاية القضائية العالمية هي أداة قوية يمكن إستخدامها كوسيلة لمكافحة الإفلات من العقاب وإعطاء الأمل للضحايا حتى يتمكنوا من جلب معذبيهم إلى العدالة.