توثيق حالات العبودية في اليمن
قامت الهيئة الوطنية للدفاع عن الحقوق والحريات (HOOD) بتدريب فرق تابعة لها في المديريات المستهدفة واختيارهم بجعلهم مراقبين محليين في ثلث الوحدات الصغيرة داخل المحافظات اليمنية التي تبين وجود مستعبدين فيها ليقوموا بتوثيق حالات الاسترقاق، في الإستمارة المعدة كدليل على قيام الحالة والإشهاد عليها بهدف تمكين الضحايا والمنظمة والقضاء من استخدامها كوثائق قانونية ودليل إثبات عند رفع الدعوى القضائية بالاستفادة من الصيغة التوثيقية (على شكل استبيان) الموقّعة من المستجوَب وثلاثة شهود إضافيين عبّروا عن استعدادهم للإدلاء بشهاداتهم في المحكمة في مرحلةٍ لاحقة، وقد تمكنت الهيئة من توثيق أكثر من مئة حالة من الاسترقاق في ثلاث مديريات. ونتيجةً لذلك، تم رفع مستوى الاستهجان للقائمين بالاسترقاق ولدى الرأي العام، ما شكّل اختراقاً ساهم في التغلب على الخوف. بالإضافة إلى ذلك، قد تمكّن أحد الرقيق من الحصول على حريته وأحيل من تصرفوا فيه بالبيع والشراء إلى القضاء لأن القانون اليمني يعاقب هذه الأفعال بالحبس مدة عشر سنوات. غير أنّ أعضاء آخرين من عائلته لا يزالون مستعبدين من قِبل أفراد آخرين.
التحديات والثغرات القانونية
ومع أنّ الاسترقاق ممنوع في القانون اليمني، إلا أن هناك ثغرات كبيرة على مستوى تطبيق هذا القانون. فبعد انتشار معلومات جديدة مرتبطة بحالات استرقاق في المحافظات الشمالية الغربية في اليمن، بدأ عدد من المنظمات غير الحكومية، من بينها الهيئة الوطنية للدفاع عن الحقوق والحريات، بإرسال مراقبين على الأرض لتوثيق هذه الحالات.
وقد شرعت الهيئة بمبادرتها لتوثيق حالات الاسترقاق عبر إرسال طاقمها في مرحلةٍ أولى إلى المناطق المشكوك بأنها تحتوي على حالات من هذا النوع. في البداية، تمكن الطاقم من توثيق حالة واحدة فقط، بعد أن اعتبرته المجموعات المحلية أنه دخيل عليها.
إشراك المجتمعات المحلية من أجل توثيق فعال
ولتجاوز هذه العقبة الاجتماعية، بدأت الهيئة بتدريب أعضاء المجتمع المحلي على توثيق حالات الاسترقاق. وكوّنت فرق المراقبة التي أنشأتها الهيئة من أفراد ينتمون إلى المجموعات المحلية حيث يتم توثيق هذه الحالات.
وفي مرحلةٍ ثانية، وضعت الهيئة صيغة توثيقية يمكن استخدامها كوثيقة قانونية يحتج بها في المحاكم. ثم درّبت المنظمة أفراداً في المجتمع المحلي على كيفية استعمال هذه الصيغة بطريقة متأنّية لمراقبة حالات الاسترقاق، عبر التقيّد بشروط السريّة الكاملة. هذه الصيغة التوثيقية شجّعت ضحايا الاسترقاق على الإدلاء بشهاداتهم، وذلك لاعتبارها وسيلة جديرة بالثقة لإنهاء الحالة التي يعانون منها.
مثلاً، لدى الكشف عن حالة استرقاق، يتم إرسال شخص تعرفه الضحية لتوثيق الحالة، أو على الأقل يكون هذا الشخص همزة الوصل بين الضحية والمستجوِب. ثم تُجرى المقابلة للوصول إلى أكبر كمية ممكنة من المعطيات الشاملة والمفيدة التي يمكن استخدامها في المحاكم. أما الأهم، فهو توقيع الوثيقة من المستجوَب وثلاثة شهود إضافيين عبّروا عن استعدادهم للإدلاء بشهاداتهم في المحكمة في مرحلةٍ لاحقة.
مهمة الهيئة وتأثيرها
الهيئة الوطنية للدفاع عن الحقوق والحريات هي منظمة غير حكومية رائدة في اليمن، مكرَّسَة لتعزيز مناصرة حقوق الإنسان من خلال: التطوع في تقديم المساعدة القانونية لضحايا التعذيب وانتهاكات حقوق الإنسان، خلق الوعي القانوني والحقوقي، خصوصاً في القطاعات المحرومة في المجتمع عبر التدريب، زيادة حملات المناصرة، المراقبة، ومتابعة انتهاكات حقوق الإنسان.
إن ما يمكننا أن نتعلمه من نهج الهيئة الوطنية للدفاع عن الحقوق والحريات هو فعالية إشراك المجتمعات المحلية في توثيق انتهاكات حقوق الإنسان. فمن خلال تدريب أعضاء المجتمع على جمع الأدلة والتحقق منها، لم تتمكن الهيئة الوطنية للدفاع عن الحقوق والحريات من الوصول إلى المناطق التي يصعب الوصول إليها فحسب، بل إنها نجحت أيضاً في بناء الثقة مع السكان المحليين. ويمكن تطبيق هذه الطريقة في سياقات مختلفة حيث يكون إنفاذ القانون ضعيفاً وتواجه المجتمعات حواجز اجتماعية. إن إشراك المتضررين بشكل مباشر يشجعهم على المشاركة بنشاط في النضال من أجل حقوقهم، مما يعزز التمكين. بالإضافة إلى ذلك، فإن التركيز الذي توليه الهيئة الوطنية للدفاع عن الحقوق والحريات على إنشاء وثائق سليمة قانونياً يوضح كيف يمكن لجمع الأدلة الاستراتيجية أن يؤدي إلى تغيير قانوني واجتماعي مؤثر.
التكتيكات الجديدة في حقوق الإنسان لا تناصر أو تؤيد تكتيكات أو سياسات أو قضايا محددة