تكون التعديلات على المعتقدات والأعراف المجتمعية أكثر نجاحاً عندما تأتي التغييرات من داخل المجتمع نفسه، وهذا النوع من التحول يحدث حالياً في قرية بيبلانتري بولاية راجستان في الهند، حيث يقوم سكان القرية بزراعة مائة وأحد عشر شجرة تكريماً لولادة كل فتاة. يهدف هذا التقليد الجديد إلى مواجهة انتشار الإجهاض الانتقائي للإناث، من خلال تشجيع الأهل والسكان على زراعة الأشجار احتفاءً بولادة البنات، كما يتطلب من الوالدين التعهد بعدم تزويج ابنتهم قبل أن تصل إلى سن البلوغ، ويتم إنشاء صندوق ائتماني مجتمعي لدعم الطفلة، بالإضافة إلى توفير الموارد اللازمة لتنمية المجتمع.
زرع أهالي القرية أكثر من 286,000 شجرة، مما أدى إلى تأسيس تقليد جديد وتحقيق الاستدامة البيئية. بالإضافة إلى ذلك، قاموا بزراعة أكثر من 2.5 مليون شتلة من نبات الصبار، الذي يحمي الأشجار ويوفر مصدراً للرزق. ونتيجة لذلك، ارتفعت نسبة الفتيات إلى الفتيان في قرية بيبلانتري بشكل ملحوظ، وأصبح للفتيات مكانة متساوية مع الفتيان في القرية. كما انتشرت مبادرة “111 شجرة” إلى القرى المجاورة، مما وسّع نطاق احترام وحماية الفتيات.
111 شجرة: تعهد لمستقبل البنات
ظهر تقليد زراعة الأشجار كوسيلة للتدخل ومواجهة المعتقدات الثقافية السائدة التي تعتبر الفتيات عديمات القيمة، ويشكلون عبئًا على موارد الأسرة والمجتمع. أظهرت دراسة نُشرت في المجلة الطبية البريطانية “ذا لانسيت” عام 2011 أن أكثر من 12 مليون جنين أنثى تم إجهاضها في الهند خلال العقود الثلاثة الماضية. في الهند، يُنظر إلى ولادة الفتيات بازدراء، بينما يُفضَّل ولادة الأولاد. يُعتبر العديد من الناس في القرى الهندية ولادة الفتاة عبئًا بسبب نظام المهر، الذي يُلزم العائلات بدفع مبالغ مالية كبيرة لتزويج بناتهم، وقد أدى نظام المهر إلى تقليل قيمة الفتيات في المجتمع، وخفض معدلات تعليمهن، وتشجيع الزواج قبل بلوغ الفتيات سن 18.
تُعاني ولاية راجستان من أحد أكثر نسب الجنسين تفاوتًا في الهند بسبب انتشار الإجهاض الانتقائي للإناث. في عام 2006، كان شيام سوندار باليوال رئيس قرية بيبلانتري، وقد أطلق تقليد “111 شجرة” بعد وفاة ابنته الصغيرة. عند ولادة أي فتاة في القرية، يجتمع الأهالي معًا لزراعة 111 شجرة. الرقم “111” هو رقم مقدس في الميثولوجيا الهندية، وتُكرم هذه الأشجار ولادة الفتيات وتحتفي بهن، وفي الوقت ذاته تدعم البيئة المحلية المحيطة بالقرية.
عندما تبدأ العائلة في زراعة 111 شجرة، فإنها تتعهد بالاستمرار في رعاية تلك الأشجار. كما يقومون بتوقيع إفادة قانونية يتعهدون فيها بتعليم ابنتهم بشكل كامل ومنع زواجها قبل بلوغها سن 18. ووفقًا لشروط الإفادة، لن تتزوج الفتاة حتى تكمل تعليمها بالكامل وتصل إلى السن القانوني للزواج في الهند، كما يتعين على العائلة الاعتناء بالأشجار الـ111 المزروعة تكريمًا لابنتهم.
أكثر من مجرد فعل رمزي
إلى جانب دور الأهل، يقوم أفراد القرية بتكريم الفتاة والاستثمار في مستقبلها، حيث يجمع أفراد القرية معًا مبلغ 21,000 روبية كصندوق ائتماني للطفلة، بينما يساهم الأهل بمبلغ 10,000 روبية. يتم تأمين 31,000 روبية (ما يقارب 520 دولارًا أمريكيًا) في حساب وديعة ثابتة يمكن للطفلة الوصول إليه عند بلوغها سن 20. يهدف حساب الوديعة الثابتة إلى ضمان أن الطفلة لن تُعتبر عبئًا ماليًا على أسرتها، مما يساعد العائلات على تأجيل الزواج المبكر لبناتهم. ويقوم فريق “111 شجرة” بمتابعة الفتيات اللاتي وُلدن في السنوات السابقة لضمان استمرارهن في التعليم والتزام أهلهن بشروط الإفادة القانونية. حتى الآن، تواصل جميع الفتيات تعليمهن ويبقين غير متزوجات.
تقليد زراعة الأشجار يحفز على توفير سبل عيش مستدامة
منذ بدء هذا التقليد، قام أهالي القرية بزراعة أنواع متعددة من الأشجار التي تدر دخلاً للقرية. خلال السنوات الثماني الأولى من تأسيس تقليد “111 شجرة”، زرع القرويون أكثر من 286,000 شجرة. ويعتني القرويون بالأشجار ويحافظون عليها من النمل الأبيض والأمراض عن طريق زراعة نبات الصبار حول قواعد الأشجار، مما أدى إلى إنتاج أكثر من 2.5 مليون نبتة صبار. وبالإضافة إلى كونه مبيدًا طبيعيًا للحشرات، تم دعوة الخبراء لتدريب النساء على حصاد الصبار من أجل تحقيق إيرادات من معالجته وبيعه. يقوم القرويون بإنتاج وتسويق منتجات مستخلصة من الصبار، مثل العصير والجل. توفر الأشجار ونباتات الصبار مصادر دخل مستدامة وبيئة إيكولوجية ملائمة لسكان بيبلانتري.
في البداية، انتشر البرنامج في القرى المجاورة مثل لوهفاد وبودانيا. وقد أعلنت حكومة ولاية راجستان الآن عن اعتماد هذا النموذج تحت مسمى “نموذج بيبلانتري”، وبدأت في الترويج له في جميع قرى راجستان، بما في ذلك تسول راجسماند، بوانا، أودايبور، أوصاف، جالوار، والعديد من القرى الأخرى.
نابعًا من داخل المجتمع، يعزز تقليد “111 شجرة” قبول تقليد جديد يركز على تقدير وحماية وتعليم الفتيات. عند التفكير في تبني مثل هذا التكتيك في مجتمعك، يمكن فحص التقاليد المحلية لمعرفة كيفية مساهمتها في استمرار الممارسات التي تضر الأفراد. من الممكن التفكير في كيفية تعديل رموز أخرى لتعزيز التغيير الإيجابي في المجتمع، ومدى استعداد الأفراد للمساهمة بشكل مستدام على مر الزمن من أجل تعزيز تقليد جديد.
اطلع أيضًا:
يمكن أن تؤدي الممارسات الثقافية والدينية أحيانًا إلى سلوكيات ضارة وانتهاكات لحقوق الإنسان. تتحدى مبادرة زراعة الأشجار هذه المعتقدات الضارة من خلال تقديم طقس إيجابي وذو معنى للاحتفال بولادة الفتيات. إن زراعة الأشجار تساعد في تغيير المواقف، وتُظهر أن الفتيات قيمة وليست عبئًا. كما تشجع المبادرة العائلات والمجتمعات على دعم تعليم الفتيات وحمايتهن من الزواج المبكر. يقوم المجتمع بإنشاء صندوق ائتماني للفتيات، يمكنهن استخدامه عند بلوغهن العشرين من العمر. هذه الطريقة لا تعزز فقط المساواة بين الجنسين، بل توفر أيضًا فوائد اقتصادية من خلال المنتجات المعتمدة على الأشجار، وتضمن الاستدامة البيئية. يمكن أن تستفيد قضايا حقوق الإنسان الأخرى من استراتيجية مماثلة تجمع بين الأدوات القانونية والتغيير المجتمعي. الحلول الدائمة تأتي من خلال إشراك المجتمع، ومعالجة الجذور، وضمان دعم واسع للتقاليد الجديدة.
التكتيكات الجديدة في حقوق الإنسان لا تناصر أو تؤيد تكتيكات أو سياسات أو قضايا محددة