توثيق الشهادة الشفوية لخلق تاريخ مكتوب لمساعدة الناس في المجتمعات المعزولة على إدراك المدى الكامل لجرائم الحرب التي تعاني منها بلادهم

وكجزء من مشروع الإبقاء على التاريخ المحفوظ في الذاكرة (REMHI) (Recovery of Historical Memory)، قامت عدة أبرشيات تابعة للكنيسة الكاثوليكية في غواتيمالا بتعبئة أعضائها كي يجمعوا شهادات أدلى بها ضحايا عنف ارتكبته الدولة. وقد تم جمع هذه الشهادات في تقرير استخدم لإعادة ذلك التاريخ إلى المجتمعات والأشخاص الذين تأثروا بها.

وخلال الحرب الأهلية في غواتيمالا التي استمرت 36 عاماً، لقى حوالي 200000 شخص حتفهم أو اختفوا أو عانوا من انتهاكات أخرى في مجال حقوق الإنسان على يد قوات الأمن التابعة للدولة بشكل مبدئي. وقد انطلق المشروع (REMHI) في 1994 أي قبل عام واحد من اتفاقيات السلام التي أبرمت في عام 1995 بمبادرة من مكتب حقوق الإنسان التابع لرئيس أساقفة غواتيمالا وبقيادة رئيس الأساقفة خوان جيراردي. وفي الوقت الذي تم فيه التخطيط لتشكيل لجنة تقصّي حقائق كجزء من اتفاق سلام سابق إلا أن اللجنة لم تشكل، بحيث شعرت الكنيسة بأن تلك اللجنة لن تكون قادرة على تحقيق ما ينتظر منها بسبب الخلافات الواسعة ودرجة العنف التي كان يعاني منها المجتمع آنذاك.

وبناءً عليه قرر المشروع استخدام بنية الكنيسة والشبكة الضخمة للناس المرتبطين بها لفتح مجال للحوار حول العنف، ولتسهيل العمل لتشكيل لجنة تقصّي حقائق مستقبلية. وقامت الكنيسة بالترويج للمشروع من خلال الملصقات والإعلانات الإذاعية وغيرها. وقامت كل أبرشية مشاركة بترشيح اثنين من أعضاء الأبرشية (كوسطاء للمصالحة). وكانت طريقة المشروع تختلف عن أية جهود مصالحة في تعبئتها الأساسية للأفراد، وبخاصة ضحايا العنف الذين غالباً ما خدموا كوسطاء. وعبر البلاد قام حوالي 800 وسيط بجمع وتحليل شهادات أدلى بها ما بين 5000 و 7000 شخص كانوا قد تعرضوا للعنف أو التعذيب أو فقدان عضو من أعضاء الأسرة. وحيث أن العنف كان مستمراً، تم جمع الشهادات دون تعرض الكنيسة أو أعضائها للكثير من المخاطر.

وقد أظهر تحليل الشهادات أن قوات الأمن التابعة للدولة كانت مسؤولة عن معظم انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبت أثناء الحرب. وتم نشر تقرير نهائي يحمل عنوان: (غواتيمالا: أحداث لن تتكرر) والذي جاء في أربعة مجلدات وتم تقديمه للجمهور في 24 إبريل/نيسان 1998. ومن الأمور المأساوية التي حدثت آنذاك أن كبير الأساقفة جيراردي تم اغتياله بعد يومين من إصدار التقرير، حيث تم فيما بعد إدانة مسؤولين عسكريين لقيامهم بعملية الاغتيال.

وعلى الرغم من وفاة كبير الأساقفة واصل العديد من الوسطاء أنفسهم المشروع، حيث عرضوا نتائج المشروع على التجمعات السكانية المشاركة، وساعدوا في وضع تجارب المجتمع بصيغة تاريخية وقومية. وعندما أصبحت الترجمات متوفرة باللغات المحلية كان يتم تزويد المشاركين بنسخ من النص المبسّط للتقرير لقراءته بصوت عالٍ خلال المناقشات الجماعية. وكانوا يتعلمون من التقرير بأن ما حدث لهم لم يكن بسبب خطأ اقترفوه، وان ذلك حدث لكثيرين في أنحاء البلاد. وقام الوسطاء أيضاً بمساعدة المجتمعات في جهودهم لتحقيق المصالحة مساهمين بذلك في تشكيل ثقافة السلام من خلال الدعوة للجوء للوسائل السلمية في حل النزاع. وقد حدثت العملية بالترابط مع عمليات نبش القبور وإعادة دفن رفات الضحايا المستمرة والتي تشكل جزء هاماً من عملية تضميد الجراح في ثقافة قبائل المايا. وقد أسهم المشروع كذلك في أعمال لجنة الحقيقة الغواتيمالية (لجنة الإيضاح التاريخية) مما دعم الشهود كما عزز من مشاركة منظمات المجتمع وتوفير شهادات الشهود.

 

لا يقر مشروع التكتيكات الجديدة في حقوق الإنسان أو يؤيد تكتيكات أو سياسات أو قضايا معينة.

 

ما هي الأمور التي نتعلمها من هذا التكتيك: 

يتم كتابة التاريخ تقليدياً بأيدي من هم فعلياً في السلطة. ويندر أن يكون لضحايا الانتهاكات –أكانوا من المجتمعات الفقيرة أو المدنيين الذين يجدون أنفسهم في معمعة حرب أهلية – قول في ذلك حتى بعد انتهاء الانتهاك. ويعمل فريق في غواتيمالا على إدخال المجتمعات التي دمرتها الحرب في عملية كتابة تاريخ تلك الحرب. إن الناتج القوي لهذا العمل هو تقرير مكتوب، إلا أن كتابة التقرير أوجد عملية مصالحة على المستوى المحلي وأعطى صوتاً لناس كان من الممكن بدونها أن يبقوا صامتين.

ويمكن استخدام تكتيك مشروع الإبقاء على التاريخ المحفوظ في الذاكرة للتسهيل والإسهام في عمل لجان الحقيقة في الدول الأخرى أو استخدام هذا التكتيك في ظل أوضاع لا توجد فيها لجان حقيقة أو تلك التي لا يستطيع فيها أشخاص كانوا الأكثر تضرراً من المشاركة في عمليات تتناول اللجان وعمليات المقاضاة.

ففي غواتيمالا كان هذا التكتيك فعالاً بسبب الهيكل المؤسسي الواسع المدى الذي تصل إليه الكنيسة الكاثوليكية. فلولا الشبكة الموثوق بها والتي كانت متواجدة من قبل، لكان من الصعب جمع القصص الشخصية بهذا القدر. إن جمع الأموال هو أيضاً مهم؛ ففي غواتيمالا كانت الموارد المالية محدودة وكان العمل موزعاً على الأبرشيات الفردية.

وقد ينطوي هذا التكتيك على مخاطر. فكثير من منتهكي حقوق الإنسان بقوا في مناصبهم في السلطة داخل الجيش والحكومة، حيث كان رد فعل الجيش والهيئات شبه العسكرية هو  إطلاق التهديدات وحتى ارتكاب الاغتيالات ضد الأشخاص الذين لهم ارتباطات بالمشروع.