عرض عام
ففي موزنبيق، قامت منظمة (إعادة بناء الأمل) بالجمع بين تقنيات تضميد الجراح التقليدية وعلم النفس الغربي لإعادة دمج الجنود الأطفال السابقين في مجتمعاتهم. وكان قد تم استخدام الآلاف من الأطفال كجنود من قِبل الجانبين المتورطين في الحرب الأهلية المدمرة التي كانت دائرة في موزمبيق. ويقول لوكريشيا وامبا، وهو عالِم نفساني يعمل مع منظمة (إعادة بناء الأمل)، أن «الجنود الأطفال عاشوا ويلات لا يمكن تصورها وأدخلوا تجاربهم في بؤر أنظمة الثقافة والمعتقدات التي تسود مجتمعاتهم. وكان من الضروري إعادة تضميد جراحهم من خلال البؤر نفسها وذلك لتحقيق إعادة التأهيل الفردي وإعادة الاندماج في المجتمع». لقد اعترفت المنظمة بأن وسائل تضميد الجراح التقليدية (القبلية) وعلم النفس الغربي المخصص للأفراد لا يكفيان وحدهما لتلبية احتياجات الأطفال أو احتياجات المجتمع.
لقد قامت منظمة (إعادة بناء الأمل) في البداية بإجراء مسح للتعرف على المجتمعات التي كانت تواجه مشاكل مع الجنود الأطفال العائدين، والتعرف على الموارد التي يملكها المجتمع. واعترافاً من العلماء النفسانيين التابعين لمنظمة أعادة الأمل بأن العاملين في مجال تضميد الجراح التقليدي هم غالباً أول من يتوجه إليهم أفراد المجتمع سعياً للمساعدة. قام هؤلاء باستقطاب دعم زعماء المجتمع لبناء علاقات مع هؤلاء العاملين في مجال تضميد الجراح.
ورافق الزعماء المحليون علماء النفس خلال زياراتهم للعاملين في مجال تضميد الجراح وذلك كي يشجعوا إمكانيات التعاون معهم. وقد أدرك العلماء النفسانيون والعاملون في مجال تضميد الجراح بأن وسائلهم يمكن أن تكمل بعضها البعض. ولكي تتمكن من بناء الثقة داخل المجتمع، احتاجت منظمة إعادة بناء الأمل إلى العمل مع المجتمعات للتعرف على الأولويات الفعلية والحصول على المساعدات المادية، بحيث تمكنت من إيجاد التواصل بين المجتمع والموارد كالأدوات الإسكانية والتعليمية والزراعية.
وكانت النتيجة إيجاد طريقة موحدة لتضميد الجراح تمكن من خلالها العاملون في مجال تضميد الجراح التقليدي والمعالجون النفسيون من بناء علاقة تعاون حيث قاموا بإحالة الأطفال على بعضهم البعض كي يتمكنوا من تحقيق أفضل النتائج الممكنة.
الجنود الأطفال هم ضحايا إلا أنهم كثيراً ما يكونون أيضاً من مرتكبي الانتهاكات. لقد تم إجبار بعضهم على ارتكاب جرائم مريعة طالت أحياناً مجتمعاتهم وأسرهم. ولا يسبب هذا السلوك أضراراً نفسية مخيفة فقط بل يزيد من صعوبة تقبل عائلاتهم ومجتمعاتهم لهم لدى عودتهم. ففي موزمبيق استخدمت إحدى المنظمات تكتيكاً يقتضي قدراً كبيراً من التعاون والثقة بين الجنود الأطفال من جهة وبين المجتمع والزعماء التقليديين والعاملين على شفاء هؤلاء الجنود بالطرق التقليدية (القبلية)، مما يؤدي إلى دعم عملية تضميد الجراح برمتها من خلال مساعدة المجتمعات على دمج أطفالهم في الحياة الاجتماعية مرة أخرى.
ويقدم الجنود الأطفال لمجتمعاتهم قضايا معقدة هي للأسف غير مقتصرة على موزمبيق. وقد يكون هذا التكتيك قابلاً للتطبيق في مجتمعات أخرى تعمل على إعادة استيعاب الناجين من الحرب، وفي مجتمعات يستطيع زعماؤها والعاملون في مجال تضميد الجراح التقليدي فيها من لعب أدوار هامة، وكذلك المجتمعات التي يحتاج فيها الضحية وجلاده إلى التعايش معاً. ولكي يتم تضميد الجراح، فإن من الضروري أن يتغلب المجتمع على الفرضية القائلة بأن مرتكبي الانتهاكات هم أشرار لا يمكن إعادة دمجهم في المجتمع بأية وسيلة إيجابية ذات معنى. ويمكن للموارد الشحيحة أن تخلق صعوبة لدى تطبيق هذا التكتيك وبخاصة إذا شعر أفراد المجتمع بأن مثل تلك الموارد يمكن استخدامها بصورة أفضل في مساعدة الضحايا بدلاً من أولئك الذين قاموا بارتكاب الانتهاكات.