مادة: الحاجة لتكتيكات جديدة

Overview

نوفمبر 27, 2024
بقلم

معلومات عن هذا المقال:

  • تم نشر هذه المقالة القصيرة في كتاب "تكتيكات جديدة في حقوق الإنسان: مورد للممارسين" (صفحات 12 - 18).
  • يقدم الكتاب نظرة عامة ممتازة مع رؤى استراتيجية لمدافعي حقوق الإنسان لتوسيع قدراتهم في التفكير الاستراتيجي والتكتيكي من أجل تنويع التكتيكات الفعالة وتكييفها وابتكارها وتنفيذها.

الحاجة لتكتيكات جديدة بقلم دوغلاس أي جونسون

خطت حركة حقوق الإنسان المعاصرة خطوات واسعة خلال العقود الماضية في سبيل تقدم حقوق الإنسان ووضع ادوات حماية مختلفة. تم وضع معاهدات دولية جديدة تندد بالتعذيب وتوفر الحماية للنساء والأطفال كما توصلت إلى إجماع دولي حول تعريف النشاطات السياسية المشروعة التي تستحق الحماية والدعم. بالإضافة الى حماية السجناء السياسيين من الأذى كما وتم إطلاق سراح الكثير منهم. وتم في العديد من البلدان بناء مؤسسات عريقة لتعزيز الالتزام بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان على مستويين المحلي والدولي. وليس بإمكاننا تجاهل مدى أهمية هذه الإنجازات أو مدى الصعوبات التي كانت تقف حائلًا دون تحقيقها.

ولقد ساعدت ثلاثة تكتيكات في الغالب على تحقيق هذا التقدم وهي:

  • وضع معايير دولية أدت إلى إبرام معاهدات ومواثيق وقواعد
  • مراقبة مدى الالتزام بهذه القواعد
  • التنديد بالإجراءات التي تتخذها أو لا تتخذها الحكومات فيما يتعلق بخرق هذه القواعد ووصمها بالعار.

ولقد نمت بصورة مؤثرة المهارات والبنى التحتية التي تطلبتها هذه الوسائل على مدى السنوات الماضية.

يتضح أن هذه التكتيكات حققت تقدماً كبيراً مما يقتضي دعمها ومتابعتها. ومن الواضح أيضاً وجود معوقات كثيرة لما يمكننا تحقيقه بهذا الصدد، وأن هذه الوسائل ليست بحد ذاتها كافية لحل مشاكل حقوق الإنسان التي تبدو مستعصية.


ولنأخذ في الاعتبار مشكلة التعذيب حيث هنالك معاهدات ومعايير دولية ووسائل حماية دستورية وتشريعات وطنية ضد التعذيب أكثر مما يوجِد ضد أية ممارسة أخرى من الممارسات المنتهكة لحقوق الإنسان. وهنالك رصد أوسع لأعمال التعذيب ليس فقط من قبَل البنى التحتية لهيئات مراقبة تنفيذ المعاهدات بل أيض اً من جانب المنظمات الوطنية والدولية غير الحكومية بالإضافة إلى تأسيس أكثر من مائتين وخمسين مركزاً لإعادة تأهيل الناجين من التعذيب في شتى أنحاء العالم، حيث يقوم كل منها بتوفير مصادر طبية تعمل على توثيق عمليات التعذيب التي يتعرض لها آلاف الضحايا، كما وترفع من القدرة القضائية المؤدية إلى توثيق التعذيب الذي يحظى بأعلى قدر من التوثيق والتنديد بين كافة انتهاكات حقوق الإنسان.


وعلى الرغم من ذلك وعندما قامت منظمة العفو الدولية بإطلاق حملتها الدولية الثالثة ضد التعذيب عام 2000، أكدت أن التعذيب كان منتشراً بالقدر الذي كان عليه عندما قامت المنظمة بإطلاق حملتها العالمية الأولى في .1974

ففي العقد الماضي وحده شاهدنا انتهاكات لحقوق الإنسان مذهلة في نطاقها في كل من البوسنة ورواندا وسيراليون وأكثر من مائة وخمسين دولة أخرى ما زالت ترتكب فيها أعمال التعذيب أو تسمح به مما يدفعني إلى القول بأن هنالك تقاعساً ما.

يتمحور هذا الكتاب حول ما يتطلبه التقدم في مجال حقوق الإنسان من ابتكار لإيجاد حقل أوسع في هذا المجال يضم أشخاصاً وقطاعات مجتمعية أكثر مما هو موجود حالياً. وهذا يتطلب أيضاً تطوير وسائل أخرى أكثر شمولًا للفهم، وهذا يمكن تحقيقه باستخدام نظام أوسع من التكتيكات المستخدمة حالياً.

ولقد بدأ الممارسون المتفانون في عملهم في مجال حقوق الإنسان في كافة أنحاء العالم هذه المهمة بالفعل، وذلك من خلال تطوير وسائل مبتكرة وبناء تحالفات استراتيجية غير متوقعة وتلقّي العلم من قطاعات لم تكن في الحسبان. ويهدف برنامج التكتيكات الجديدة في مجال حقوق الإنسان إلى جمع هؤلاء المبتكرين وتمكين آخرين من تلقي الإلهام من عملهم. ويتضمن هذا الكتاب أكثر من خمس وسبعين قصة حول الابتكار التكتيكي، تناول فيها طلاب وفلاحون ومفوضون حكوميون وآخرون يستخدمون تكنولوجيا متطورة أو أدوات متوفرة فعلًا، أشخاص يعملون على تحقيق أهدافهم التي تبدو مختلفة كالانتخابات النزيهة وتوفير المياه النظيفة وتحقيق الحرية للسجناء السياسيين.

إن هذه القصص كلٌّ على حدة هي قصص ملهمة وهي تمثل بمجموعها في الكتاب اللاحق رؤى لما يمكن تحقيقه في مجال حقوق الإنسان.

محددات الاستراتيجية الحالية

يعد الإصرار على ممارسة التعذيب تحديّاً للمجتمع العالمي. ولقد حان الوقت في ضوء عدم نجاح استخدام التكتيكات الثلاثة الأكثر شيوعاً في تخفيف ممارسة التعذيب، كي ننظر مليّاً في محددات الاستراتيجية الحالية. وينبثق بعض الإدراك لهذه المحددات من عملية أطلق عليها أنا اسم – التطابق الثنائي الاستراتيجي.


ولنبدأ بالعلاقة بين من يمارس التعذيب وبين الضحية. حيث قام فريق مكون من عشرة خبراء في التعذيب بوضع رسم بياني أو تخطيطي للعلاقات الأخرى التي تنطوي على هذا الانحراف الأساسي والتي تتيح ممارسة التعذيب. فعلى سبيل المثال، الأشخاص الذين يقومون بالتعذيب، ينتسبون عادة لفريق يتمتع بقيادة قوية داخل الإدارة الحكومية، ويمكن أن يكون هؤلاء أيضاً جزءاً من مركز معين للشرطة أو وحدة عسكرية. ولقد تتبعنا هذه العلاقات عمودياً لكي نستوعب تسلسل القيادات التي تخطط وتنظم وتموّل استخدام التعذيب إلا أننا قمنا أيضاً بالنظر إلى كل واحدة من تلك العلاقات أفقياً من أجل أن نتفهم مواطن النفوذ والعلاقات المحتملة الأخرى. فمراكز الشرطة، على سبيل المثال، تضم أيضاً مدنيين وأطباء لهم علاقات مع العالم الخارجي الذي يمارس نوعاً من الرقابة والنفوذ عليهم. ولقد أبرزت الخريطة الأولية التي تم إعدادها باستخدام هذه العملية أكثر من أربعمائة علاقة، تراوحت بين العلاقات المحلية ذات المستوى الرفيع والعلاقات مع المجتمع الدولي.

ولقد افترضنا بأن كل علاقة ضمها الرسم التوضيحي كانت مكاناً محتملًا لبدء التدخل للسيطرة على الثنائي الذي يضم مرتكب التعذيب والضحية أو اعتراض طريقه. ولقد قمنا بوضع خريطة للعلاقات المستهدفة من قبَل التكتيكات المختلفة

ومن ثم سلسلة العلاقات المنطقية التي ينبغي أن تؤثر عليها وذلك بمساعدة الرسم التوضيحي لكي نتمكن من اعتراض هذا الثنائي المتطابق (والذي انبثق منه تعبير التطابق الثنائي الاستراتيجي) ولقد توصلنا إلى عدد من النتائج الهامة:

  1. لقد تم استحداث معظم التكتيكات عند الحواف البعيدة للرسم التوضيحي، كالمستوى الدولي، مما يعني أنهم اضطروا إلى شق طريقهم عبر العديد من شرائح العلاقات الأخرى قبل أن يؤثروا بطريق غير مباشر بالثنائي المتطابق الذي يشمل مرتكب التعذيب والضحية. ولقد خّمنا أن هذا أضعف قوة الفعل أو بعثرها.
  2. أن الأنظمة التي تستخدم التعذيب تكون غالباً أنظمة معقدة للغاية وليست هشة أو سهلة الاعتراض، مما يمكن المؤسسات المختلفة التي تستفيد من استخدام التعذيب من دعم بعضها البعض. فعندما تتم مهاجمة جزء من
    النظام تتولى الأجزاء الأخرى (كنظام الشرطة ونظام الادعاء واللامبالاة التي يبديها القضاء) المساعدة في حماية الهدف والسماح له بإصلاح نفسه. إننا ندرك أن هذا يعني أن النظام لن يستسلم للتكتيكات الفردية وأن الأمر يتطلب أن
    يقع النظام تحت تأثير مجالات متعددة في آن واحد لخلق حالة من عدم التوازن والحيلولة دون حدوث إصلاح للذات. ويقتضي هذا استخدام التكتيكات المتعددة التي تعمل متكاتفة كجزء من استراتيجية أكثر شمولًا.
  3. تدمج معظم المنظمات العاملة في مجال حقوق الإنسان عدداً محدوداً من التكتيكات وذلك في إطار الأدوار التي تؤديها. وتميل المنظمات نحو التركيز على مجموعة ضيقة من التكتيكات، كما وأنها نادراً ما تتهاون في تطبيقها. ولا يؤدي هذا العائق فقط إلى التأثير الضيق جداً على قطاعات في نظام معقد يتّسم بالتطبيق المتبادل، بل يتجاوزه بحيث تتولى
    كل منظمة تشكيل استراتيجيتها بناءً على هذه القدرة المعزولة بدلًا من الاعتماد على ما هو ضروري للتأثير على الوضع. إننا نفعل ما بوسعنا لا ما نحتاج أن نفعله، كما افترضنا أن زيادة التنسيق بين التكتيكات المختلفة سيجعلها أكثر فعالية.
  4. لم تتأثر الكثير من العلاقات التي أدرجت على الرسم التوضيحي كما أنها لم تشارك بأي شكل من أشكال العمل الحالي. ولم يتم استقطاب مواطن القوة أو مجالات الاهتمام لاستخدامها في العمل مما دعانا إلى الاستنتاج بضرورة استخدام سلسلة أوسع كثيراً من التكتيكات اللازمة لتفعيل دور كل من هذه الأطراف المحتملة.

إنني أعتقد بأن هذه الاستنتاجات نفسها تبقى صحيحة بالنسبة لقضايا أخرى سواء أكانت الاجتماعية منها أو تلك التي تتعلق بحقوق الإنسان. إننا بحاجة لأن نجد طرقاً أخرى للعمل متكاتفين، وإلى طرق جديدة لإيجاد استراتيجيات فعالة من أجل التغيير. تحتاج بعض الاستراتيجيات الحالية إلى هيكل يتم من خلالها تجميع الموارد المحدودة للعديد من الأشخاص بفعالية أكبر داخل حملة موحدة. وقد يتطلب هذا ما أطلق عليه اسم «جامع الشمل الاستراتيجي» والذي قد يكون مؤسسة أو شخصاً لها أو له مصداقية أخلاقية يمكن من خلالها جمعنا معاً في إطار علاقة عمل جديدة، إلا أن آخرين يمكن أن يبدأوا بدافع يأتي من منظمات تعمل على تفحّص وسائل جديدة للضغط على أنظمة معقدة، ولتحفيز أداء مشاركين جدد ضمن النسيج الاجتماعي. ويمثل هذا الكتاب جزءاً من برنامج مهيمن هو برنامج التكتيكات الجديدة في مجال حقوق الإنسان بهدف تطوير حوار داخل حركة حقوق الإنسان حول كيفية تحقيق ذلك، ولكي نبيّن بشكل واسع بعضاً من الأدوات المتوفرة لنا لتحقيق أداء أكثر فعالية.

فكرة وليدة

تم تأسيس مركز ضحايا التعذيب (CVT) في 1985 كأول مرفق يقدم المعالجة الشاملة للناجين من التعذيب في الولاياِت المتحدة. ومنذ البداية، تلخص تصور قيادة مركز ضحايا التعذيب لعملها في تطوير تكتيك جدي لاستخدامه من قبَل حركة حقوق الإنسان. ففي الوقت الذي بدأنا فيه تفهّم أي من التكتيكات يمكن أن ينبثق من عملنا قمنا أيضاً بتشجيع تطوير برامج إعادة تأهيل أخرى للناجين من التعذيب. ولقد أوجدت هذه المؤسسات الجديدة فرصاً استراتيجية جديدة لحركة حقوق الإنسان تتلخص مثلًا في استعادة القيادة المفتونة بالقمع، ومساعدة المجتمعات على التوصل إلى موقف واضح من إرث الخوف، وتنظيم مجتمع الرعاية الصحية باعتباره جزءا من حركة حقوق الإنسان. ولقد بدأنا من خلال عملنا أيضاً بجمع القصص عن الجماعات والأشخاص الذين يقومون بالإبداع خارج إطار بؤرة مجرى التفكير العادي.

لقد تم استحداث برنامج التكتيكات الجديدة عام 1995، حيث تم بعد ذلك بفترة قصيرة عقد اجتماعات للمجموعات الاستشارية في تركيا لاستكشاف فكرة عقد ندوة حول «أفضل الممارسات» لتفحّص التكتيكات المستخدمة في كافة أرجاء العالم لإيجاد حلول – أو للكفاح بصورة أكثر فعالية – ضد الانتهاكات الواسعة لحقوق الإنسان. لقد أردنا أن نركز على الحلول بدلًا من المشاكل وأن نتقدم انطلاقاً من الفكرة القائلة، ولو جزئياً على الأقل، بأن الانتهاكات تستمر نتيجة الإحباط الذي يشعر به المجتمع المدني والحكومة بسبب عدم توفر أمثلة محددة لما يجب أن يتم عمله. وعلى الرغم من أننا اعتقدنا بأن عمليات التنوير حول المشاكل كانت مفيدة، إلا أن هذه العمليات كانت تتم بالفعل وبصورة جيدة من قبَل حركة مجرى التفكير العادي، وهكذا فلقد اعتقدنا بأنه لم يجرِ تركيز اهتمام كافي على الحلول الفعالة. لقد جرى التركيز الشديد بالفعل على كلمة «ماذا» فيما لم تلقَ كلمة «كيف» إلا القليل من الاهتمام.
لقد وجدت الفكرة تجاوباً واحتراماً لدى قطاع واسع من القادة في تركيا. ففي 1997 أوجد مركز ضحايا التعذيب شراكة له مع مؤسستين تركيتين هما مجلس مواطني هلسنكي ومركز حقوق الإنسان التابع لمعهد الشرق الأوسط للإدارة العامة وذلك من أجل تطوير برنامج التكتيكات الجديدة في مجال حقوق الإنسان. ولقد بدأت الأبحاث المنظمة جول التكتيكات المبتكرة بنشاط عام 1999 بدعم من مؤسسة جون دي وكاثرين تي ماك آرثر. وقمنا أيضاً بتشكيل لجنة استشارية دولية تضم تسعة قادة عالميين لتوفير الرؤية والدعم السياسي، كما قمنا بتشكيل مجموعة عمل حول حقوق الإنسان من واحد وعشرين من القادة البارزين في مجال حقوق الإنسان في كل منطقة من مناطق العالم تقريباً للمساعدة في التعرف على التكتيكات الواعدة، وللمساهمة في التوجهات الشاملة للبرنامج.

ولقد اجتمعت مجموعة العمل مع أعضاء المجموعة الاستشارية التركية عام .2000 وترأس الاجتماع رئيس وزراء كندا كيم كامبل الذي مثّل أيضاً اللجنة الاستشارية الدولية. وانهمكت المجموعة في مناقشات حول الوسائل المبتكرة لتحقيق التقدم في مجال حقوق الإنسان وصاغت وسائل تدريب متقاطعة كما وضعت خطط عمل مستقبلية للبرنامج.

وعلق أشخاص عملوا معظم حياتهم في مجال حقوق الإنسان فبينوا كيف ساعدتهم الأفكار والمعلومات التي تم تبادلها خلال الاجتماع على التفكير بصورة مغايرة في الفرص المتاحة لضم أناس جدد والتعامل مع قضايا من خلال تبني منظور جديد. ولقد استمرت جهودنا لبناء هذه الرؤية المبدئية من خلال توفير الأدوات – بما في ذلك هذا الكتاب وموقع على الإنترنت www.newtactics.org ومن خلال تدريب مدافعين عن حقوق الإنسان حول الابتكار التكتيكي والتفكير الاستراتيجي باستخدام سلسلة من ورش العمل الإقليمية للتدريب المتقاطع.

هيكل التفكير لدينا

لقد تعلمت من عملي في مركز ضحايا التعذيب على مدى السنوات الست عشرة الماضية بأن هنالك ملابسات اجتماعية وسياسية هامة لتوفير العلاج للناجين من التعذيب، فقد أعادت تشكيل تفكيري حول التمييز المفترض ما بين منع التعذيب والعناية بالناجين منه. واكتشف العاملون في مركز ضحايا التعذيب بأن العناية بالناجين تتناول شفاء القيادة ومساعدة المجتمعات على التغلب على إرث الخوف. ولقد اكتشفنا بأن المجاز اللغوي لكلمة الشفاء توجد مجالًا سياسياً أكثر أماناً تسمح للمجتمعات بالتجمع والعمل وتعلم تحمل المخاطر. وتستقطب مراكز العلاج، كمركز ضحايا التعذيب، مجموعات جديدة كالمعلمين والمحترفين في مجال الرعاية الصحية وصانعي القرار لضمهم للعمل في مجال حقوق الإنسان. ومن خلال موقعنا كمركز للعلاج نكافح من أجل وضع نهاية للتعذيب ونسعى لوضع سياسات وقوانين للنهوض بمستوى معيشة ضحايا التعذيب. وعلى الرغم من أننا لم نسع لوضعها في هذا الإطار خلال السنوات الأولى على الأقل، إلا أننا كنا نعمل على توسعة تعريف العمل الخاص بحقوق الإنسان وتطبيق تكتيكات جديدة في هذا المجال.

ولقد كان دوري في الحملة الدولية لغذاء الطفل في حقبة السبعينات والثمانينات وضع أطر لأفكاري حول التكتيكات الجديدة. فترأست في أواخر 1976 مجموعة نشطاء ريفية تعمل في مجال مكافحة الجوع حيث كانت لدينا ميزانية سنوية متواضعة للبرنامج تبلغ خمسمائة دولار بالإضافة إلى راتبي الذي لا يكاد يكفي لسدّ رمقي. وبدأت مجموعة صغيرة منا بالعمل معا في أرجاء البلاد حيث أوجدوا ائتلاف صيغة العمل من أجل الطفل (INFACT)

ولقد قمنا بما كان متوفر لدينا من موارد ضئيلة بتنظيم مقاطعة ضد أكبر شركة عالمية للأغذية، وهي شركة نستلة، وذلك لإجبارها على إدخال تغييرات على طرق تسويق البدائل لحليب الرضاعة، كما قمنا ببناء شبكة تضم ثلاثمائة فرع أميركي، وأوجدنا ائتلافاً من أكثر من مائة وعشرين منظمة وطنية مساندة تضم أكثر من أربعين مليون عضو، ووضعنا أسس أول مقاطعة ريفية دولية تعمل في عشرة أقطار، وأسسنا أول شبكة إصدار عبر الحدود الإقليمية وهي شبكة (IBFAN) التي تعمل في سبعة وستين بلداً والتي أصبحت إحدى أول المؤسسات غير الحكومية التي تتم دعوتها على قدم المساواة مع الدول والشركات الكبرى للمشاركة في اجتماعات هيئة الأمم المتحدة، والتي تولت أخيراً التفاوض من أجل وضع قانون تسويق الشركات الأول والوحيد الذي يصدر عن المنظمة الدولية. ثم قامت، بعد أن ألحقت خسائر قدرت بخمسة مليارات دولار بشركة نستله، بتوقيع اتفاقية مشتركة مع الشركة لتغيير ممارساتها التسويقية لتتماشى مع القانون الدولي، وهي اتفاقية وصفت بأنها »أهم انتصار في تاريخ حركة المستهلكين الدولية.

إنني أشعر بالفخر بتلك الحملة وبعملي الذي استغرق حوالي عقد من الزمن. ويمكنني التعرف على الكثير من الأخطاء الناجمة عن معرفتي المحدودة بالتكتيكات. فعلى سبيل المثال لا الحصر قمت مبدئياً بالخلط ما بين التكتيكات والاستراتيجية، فالتفكير الاستراتيجي يتناول حقيقة كيفية الاستفادة القصوى مما هو متوفر لك، وحيث أنه لم يكن في ذهني سوى تكتيك واحد متاح لي فقد أصبح ذلك ربما خياراً أوحد وحتمياً. وكما هو الحال بالنسبة لقادة كثيرين انطلقوا من المستوى الريفي لإصلاح ما هو خطأ، فقد بدأت على مستوى النشاط إلى أن تخرجت في مجال التفكير حول التكتيكات وكافحت كي أفهم كيفية تشكيل الاستراتيجية دون أن تكون هناك سوى النذر القليل من الأدوات المتوفرة لدي.

وحيث إنني اكتسبت خبرة أوسع في مجال وضع استراتيجية لأية منظمة، فقد أصبح من الواضح أكثر بالنسبة لي بأنه كلما كان لدينا فهم أوسع حول التكتيكات فإنه ستصبح لدينا مرونة أكبر لتحديد اتجاهات استراتيجية جديدة. وهكذا فإنني لا أناقش بأن التفكير التكتيكي أو التدريب يسبقان التفكير الاستراتيجي، بل إن التطور التكتيكي هو الذي يثري التفكير الاستراتيجي.

الأهداف والاستراتيجية والتكتيكات

في الوقت الذي يبدو فيه التركيز على التكتيكات ضرورياً فإن ذلك لا يشكل أولوية قصوى بالنسبة لأية منظمة. ويتعين على أية منظمة أن تضع أولًا أهدافاً عريضة تعكس القيم والعقائد التي يتبناها مؤسسوها وقادتها وأعضاؤها والتي تشكل رسالتها وأهدافها. ويتعين أن تكون تلك الأهداف واضحة للتركيز على التخطيط. وتحتاج المنظمة أيضاً إلى وضع أهداف متوسطة المدى تبين بصورة أوثق ما يمكن تحقيقه بمضي الوقت، وتنطوي على رؤية استراتيجية لما يمكن إنجازه.

ليس هنالك أي غموض بشأن الاستراتيجية وذلك على الرغم من أنه من الصعب غالباً التفكير بصورة استراتيجية. فالاستراتيجية ليست قراراً واحداً بل هي خليط من القرارات مقرونة باختيار أهداف رئيسية وهامة وإدراك لجمهور المناصرين الأساسيين، بالإضافة إلى الموارد والقرارات التي سيتم إخضاعها للتكتيكات التي سيجري استخدامها في الوقت الذي يتعين استخدامها فيه. فقبل أكثر من ألف سنة، قام صن تزو بتعليم تلامذته بأن الاستراتيجية تنبثق من فهم العدو «أهدافه واستراتيجيته ونقاط قوته وضعفه، وفهم أنفسنا» حلفائنا ومصادر قوتنا ومحدداتنا«، وتفهم طبيعة الأرض »حيث ستقع المعركة. « تشكل تكتيكات العدو مكوناً رئيسياً لاستراتيجيته ومعرفة مثل تلك التكتيكات يساعدنا على إبطالها. فما يمكننا إنجازه، بما في ذلك التكتيكات التي نعرفها والتي يمكننا تطبيقها بنجاح، سيؤثر في وضع استراتيجيتنا لذلك فالتفكير التكتيكي هو أحد المكونات الهامة للتفكير الاستراتيجي.

إن التكتيك هو إجراء محدد يقوم به المرء في إطار استراتيجية، وهو طريقة لتنظيم مواردنا للتأثير على التغيير في العالم. ويمكن أن يكون التكتيك نشاطاً أو نظاماً أو حتى مؤسسة في حالة من الأحوال وتقنية في حالة أخرى. وستظهر التكتيكات نفسها بصورة مغايرة تعتمد على حجم المنظمة وقدرتها ومواردها. وتمثل التكتيكات الوسيلة التي يمكن للمرء أن يلجأ إليها لتحقيق التغيير، فيما تنطوي الاستراتيجية على القرارات المتعلقة باستخدام أي من التكتيكات والأهداف التي تستحق التركيز عليها والموارد التي يمكن توظيفها. إن معرفتنا بالتكتيكات تشكل أيضاً الاستراتيجية التي نختارها.

إن التفكير التكتيكي ضروري لأي نضال فعال في مجال حقوق الإنسان. واسمحوا لي بشرح هذا الاستنتاج بشيء من التفصيل:

  1. إن ما نعرف كيف نفعله يؤثر في ما نفكر بأنه من الممكن عمله؛ التكتيكات تساعد على تحديد الاستراتيجية. إنني لا أرغب في أن أكون قدرياً بصورة مبالغ فيها، فالابتكارات تحدث عبر التاريخ الإنساني كله عندما يقوم شخص ما بإيجاد ردّ فعل جديد لمشكلة ما، وعلى أي حال فالتاريخ الإنساني مليء بالأمثلة حيث تتم تجربة الحل نفسه مرة بعد أخرى دون تحقيق أي نجاح، أو حيث يتم استبدال تكتيك قديم بآخر جديد. وهنالك مثالان جيدان نابعان من التاريخ العسكري. (1) تطور كتيبة المشاة لدى اليونان والذي تم بموجبه إيجاد نظام للقتال يتغلب على الاعتماد التقليدي على المقاتلين الخيالة غير المنظمين وكثيري العدد. (2) دمج القوس الطويل في الجيوش الإنكليزية لهنري الخامس والذي تم من خلاله التغلب على الفرسان المدججين بالسلاح. لقد مهّد الابتكار التكتيكي الطريق أمام فرص استراتيجية جديدة.
    ومن قبيل ذلك فعندما يتم تعريف تفكيرنا حول كيفية العمل بشكل ضيق فإننا نحصر وجهات نظرنا في ما يمكن تحقيقه. ولقد قمت برفض الكثير من النصائح الجيدة خلال حملة غذاء الأطفال لأنني لم أكن أعرف كيفية القيام بالنشاطات المقترحة، كما وأنه لم تكن لدى الإمكانيات المالية لدفع أجور من قاموا بتلك الأنشطة.
  2. التكتيكات المختلفة هي تكتيكات فعالة ضد أهداف مختلفة.
    لا تتساوى جميع التكتيكات في تأثيراتها على جميع الأهداف. إن حملات كتابة الرسائل الموجهة إلى الحكومات الديمقراطية تختلف في ردود أفعالها عن تلك المساوية لها في عدد الرسائل والموجهة إلى الحكومات الاستبدادية. وتحتاج المقاطعة الاقتصادية إلى هدف معني بوضعه الاقتصادي ويمكن إضعافه بطريقة يمكن ملامستها من جانب المشاركين.
    ويتعين علينا أن نتعلم كيفية تفصيل تكتيكاتنا لتتلائم مع أهدافنا بحيث نهتدي لتلك التي يكون لها التأثير الأوفى. فعندما تفشل التكتيكات في إحداث التأثير على أهدافنا فإنه يتعين علينا عندئذ ابتكار تكتيكات جديدة أكثر فعالية.
  3. التكتيكات المختلفة تلقى قبولًا من جمهور مناصر مختلف.
    لكل منا أسلوبه الخاص في التعلم. ويعترف المدرسون الجيدون بهذا وهم بذلك يساعدوننا على التعلّم من خلال قيامهم بتغيير تكتيكاتهم في التدريس. ولكي نتمكن من تحفيز أكبر عدد من الأشخاص للانخراط في العمل في مجالات حقوق الإنسان فإننا نحتاج إلى اتخاذ الموقف نفسه تجاه تكتيكات التغيرات الاجتماعية.
    يجد بعض الناس بأن التظاهر أمام منزل أحد ممارسي التعذيب هو تكتيك مرعب للغاية، بينما يجد آخرون أن كتابة الرسائل أيضاً يبعد التغيير المطلوب عن هدفه. ويمكننا أن نناقش من هو على صواب، ويمكننا التأكد من أن الناس يتجاوبون بأشكال مختلفة تجاه تكتيك مبني على مفاهيمهم حول المسببات وتحملهم للمخاطر والوقت المتوفر لهم أو طريقتهم في التعامل مع المعلومات.
    فإذا ما تجاوب مجتمع حقوق الإنسان بقيامه بتقديم تكتيك واحد أو اثنين لإشراك الجمهور فإننا سوف نتوجه لجمهور ضيق وهو الجمهور الذي يجد في هذه التكتيكات قدراً من المعقولية. فالتكتيكات القانونية، على سبيل المثال، هي تكتيكات يصعب جداً استخدامها لدى قطاعات عريضة من السكان إذ أنها غالباً ما تكون طويلة الأمد وذات طبيعة معقدة لا يفهمها إلا أصحابها، بحيث لا يتمكن من تفهمها سوى فئة قليلة من المهنيين مما يستدعي توظيفنا لتكتيكات أخرى تعطي المزيد من الناس فرصة للمشاركة بدلًا من البقاء مراقبين.
    ولقد تعلم الناس في الثقافات التي مورس فيها القمع أن يعمدوا إلى الانسحاب من الحياة العامة. ولكي يتم تفعيل الناس في مثل هذه الثقافات فإننا نحتاج إلى تقديم تكتيكات تتجاوب مع مختلف مستويات تحمل المخاطر ومع وجهات النظر المختلفة، بشأن التغير الاجتماعي.
  4. مرونة التكتيك مصدر من مصادر المفاجأة.
    عندما نعمد إلى تكرار التكتيكات نفسها فإن أعداءنا يعلمون كيف يواجهون تلك التكتيكات وكيف يحتوون تأثيراتها. فعندما قمنا بإعلان المقاطعة ضد شركة نستله كان رد فعل الشركة مبالغاً فيه مما أوقعها في العديد من الأخطاء التي أدت في النهاية إلى تقوية المقاطعة، إلا أنه مع استمرار الحملة لفترة طويلة تمكنت نستله من تطوير خبراتها لتخفيف حدة الانتقادات، كما قامت بتطبيق وسائل هجوم مضادة فعالة. لقد كنا نعمد باستمرار إلى تغيير تكتيكاتنا لنفقد الشركة توازنها ونجعل هجماتها المضادة غير فعالة.
    إن استمرار الانتهاكات لحقوق الإنسان يؤكد وجود أعداء أذكياء ومتنفذين يملكون موارد وفيرة. ويمكن للمرء تخيل فعالية أول حملة لكتابة الخطابات التي شنتها منظمة العفو الدولية وذلك لأن تكتيكها كان مفاجئاً للغاية، لكن يمكن التخيل وبعد ثلاثين عاماً كيف تعلمت معظم الدول استخدام البيروقراطية لاحتواء ردود الفعل وبالتالي حماية نفسها من هذا التكتيك.
    لا شك بأن عنصر المفاجأة يفقد العدو توازنه وهو بالتالي يؤدي إلى أخطاء تؤثر سلباً على موقفه، كما وأنه قد يؤدي إلى التعلّم حيث أن هدف التكتيك قد يكتسب بعد نظر جديد أو يؤدي إلى تفهم ضرورة إحداث تغير إيجابي. ويؤدي عدم المرونة إلى تكرار في تفكيرنا فيما تؤدي المرونة لدى العدو إلى تعزيز التعلم لكلا الجانبين.
  5. تؤدي التكتيكات إلى تعليم المشاركين والمراقبين كيفية المشاركة في شؤون العالم.
    أدت أول حملة لغذاء الأطفال (1975-1985) إلى إيجاد وسيلة جديدة لإدارة السياسات العالمية. ولقد مثلت هذه الحملة تحدياً حيث أوجدت كل مرحلة منها أسبقيات جديدة. فلم يكن هنالك أحد ليدربنا على ما هي الخطوة التالية التي يتعين علينا اتخاذها. ومنذ ذلك الحين تشكلت حملات دولية أخرى وعملت في الإطار نفسه حيث تمكنت من التحرك بسرعة أكبر بكثير. انظروا إلى الحملة الدولية لحظر الألغام الأرضية التي استطاعت تحقيق أهدافها خلال ثمانية عشر شهراً فيما استنفذت (INFACT) منا عشر سنوات تقريباً. إنني انظر لهذه الظاهرة كشيء أقرب ما يكون لموسيقي يتعلم قطعة
    جديدة من الموسيقى، فكلما استمررنا في العزف تتعلم عضلاتنا كيف تتحرك بحيث تعطي المخ فرصة للتخطيط لنغمات موسيقية جديدة وتحسينات ذكية. وكلما استمررنا في الممارسة أصبحت العملية أكثر سهولة.
    وهناك مثال آخر من أوروغواي، حيث لم يتم على الإطلاق وعلى مدى سبعين عاماً تفعيل نص في دستور أوروغواي يسمح بإجراء استفتاء شعبي لإبطال تشريع برلماني، إلا أن مجتمع حقوق الإنسان في أوروغواي نفض الغبار عن هذا النص وجمع تواقيع أكثر من خمسة وعشرين في المائة من الناخبين في محاولة لرفع الحصانة التي يتمتع بها أشخاص قاموا بتعذيب وقتل مواطنين خلال فترة حكم الديكتاتورية. وعلى الرغم من أن الاستفتاء فشل بفارق ضئيل، إلا أن الشعب في أوروغواي تعلم طريقة جديدة لممارسة السياسة، بحيث تم اللجوء إلى مثل هذا الاستفتاء ثماني مرات أخرى خلال السنوات الاثنتي عشرة التالية.
  6. تعتبر التكتيكات أنظمة تدريب لإلحاق المشاركين والحلفاء بأعمال المنظمة.
    قد تكون بعض التكتيكات قصيرة المدى (مثل التظاهرات)، فيما قد يكون بعضها الآخر أطول مدى (مثل المقاطعة) إلا أنها جميعاً، شأنها في ذلك شأن أنظمة النشاطات الفاعلة، تحتاج إلى تخطيط وتنسيق وتوجيه. وهي تخلق فرصاً للعديد من المواطنين للانخراط في هذه الأنشطة والتعلم والالتزام بصورة أوثق بأنشطة المنظمة أو الحملة. إن الانخراط في هذه الأنشطة على المستوى التكتيكي يوفر أرضية ممتازة لتدريب الموظفين الأصغر سناً والمتطوعين الجدد.
    عندما اقترح مركز ضحايا التعذيب لأول مرة استحداث قانون مساعدة ضحايا التعذيب في مجلس الشيوخ بالولايات المتحدة (وهو تكتيك تشريعي) استخدمنا فرص إشراك منظمات أخرى تعنى بحقوق الإنسان بالإضافة إلى المجتمع الديني وغيرهم من الحلفاء المحتملين. وقد أصبح هؤلاء من خلال مشاركتهم أكثر اطلاعاً على أعمال برامج إعادة تأهيل ضحايا التعذيب وما اكتسبه الناجون من هؤلاء من تجارب حيث بدأوا بدمج مفهومنا للتعذيب في اللغة التي يستخدمونها.

ويعتبر الابتكار التكتيكي مهمًا لتحقيق التطبيق الناجح لحقوق الإنسان في كافة أرجاء المعمورة. فمن خلال التوسع في تفكيرنا على المستويين التكتيكي والاستراتيجي أصبح لدى مجتمع حقوق الإنسان الفرصة ليصبح أكثر فعالية. ويمكن تلخيص ذلك بما يلي:

  1. وجود سلسلة ضيقة من التكتيكات يؤدي إلى عدد أقل من الداعمين في حين تؤدي سلسلة أوسع من التكتيكات إلى تجاوب أكبر لدى مجموعة أوسع من المؤيدين.
  2. إن الاعتماد المفرط على أي من التكتيكات يؤدي إلى تطبيقها في ظل ظروف خاطئة، كما يؤدي إلى إضاعة الفرصة لتوسيع الأهداف الاستراتيجية، في حين يخلق التفكير التكتيكي المرن الفرصة لتحقيق استهداف استراتيجي محسوب جيداً.
  3. يشجع التكتيك المستخدم بإفراط العدو على القيام برد فعل منظّم، كما يسهل على الأعداء الدفاع عن مواقفهم، أما مرونة التكتيك تولد عنصر المفاجأة وتساعد على التعلم.

إننا لا نسعى لأن يكون هذا الكتاب بمثابة كتاب طبخ لإيجاد الاستراتيجيات أو لتعزيز أية مجموعة من التكتيكات بعينها، فيجب أن تتأثر الخيارات التكتيكية بقدرات الفريق وتحمله للمخاطر وتحليله للعدو أو الأوضاع العدائية بالإضافة إلى المضمون الذي سيتم استخدام التكتيكات فيه.
إننا نأمل عوضاً عن ذلك بإلهام ممارسي حقوق الإنسان ليفكروا استراتيجياً وأن يثروا قاموس التكتيكات الخاصة بهم بحيث يتم توفير لمحة بسيطة لمجال العمل الخلّاق في كافة أرجاء العالم. إننا نتحدى أنفسنا داخل الحكومات ومؤسسات حقوق الإنسان بأن نستثمر في تطوير الأدوات الاستراتيجية التي تمكننا من العمل معاً بصور أكثر فعالية.

التكتيكات الجديدة في مجال حقوق الإنسان مورد للمدافعين: التكتيكات والتفكير التكتيكي

أصبح التخطيط الاستراتيجي على مدى ربع القرن الماضي المعيار لدى المنظمات غير الحكومية. ومن الغريب أن فكرة التكتيكات لم تصاحب تطور التخطيط الاستراتيجي، وهي ما زالت بالنسبة للكثير من الناس مجرد تعبير يقلل من شأنها. ونحن نقوم عادة بوصف شيء أو شخص بأنه «تكتيكي» وليس استراتيجي، بمعنى أنه خاضع لتفكير محدود وقصير المدى بدلًا من التفكير المتعقل طويل المدى. وتنطوي كلمة» تكتيكات« على المناورة لتحقيق مكسب أو الحصول على منصب على المدى القصير، ربما بأسلوب غير أخلاقي. ولقد أثارت كلمة تكتيكات عدداً من الأسئلة بسبب عدم استخدامها كثيراً في مجال حقوق الإنسان، ومن تلك الأسئلة: أليس هذا اصطلاحاً عسكرياً؟ أو» هذه الكلمة تسبب لنا الإرباك. « أو »ماذا نعني بالتكتيكات؟« أو »إن الناس في منطقتي لا يستخدمون هذه الكلمة. « ولهذا فإنه بإمكانك أن تسأل: لماذا نستخدم كلمة »تكتيك« بدلًا من كلمة أخرى مثل مدخل أو منهاج البحث أو التقنية.؟

إننا نستخدم في التكتيكات الجديدة لبرنامج حقوق الإنسان كلمة »تكتيك«بسبب علاقتها المتكاملة بمفهوم »الاستراتيجية. « فالاستراتيجية تحدد ما هو المهم الذي يتعين علينا عمله، بينما تجسّد التكتيكات كيفية عمل هذا الشيء. فالعلاقة ما بين الـ “ماذا” والـ “كيف” هي علاقة مهمة لفهم وإزالة اللبس عن مفهومي الاستراتيجية والتكتيك. فالتكتيكات – قد تكون عبارة عن نشاطات أو أنظمة أو تقنيات أو حتى مؤسسات – هي واحدة من لبنات بناء الاستراتيجية.

وهنالك مصدر آخر للارتباك وهو أن ما يمكن تعريفه بأنه استراتيجية لمجموعة ما قد يكون تكتيكاً بالنسبة لمجموعة أخرى. فحكومة ما على سبيل المثال قد تعمد إلى تطوير استراتيجية لإيجاد مؤسسات جديدة لحماية حقوق الإنسان حيث قد تكون أحد تكتيكات هذه الاستراتيجية إيجاد لجنة وطنية لحقوق الإنسان، إلا أنه يتعين على هذه اللجنة باعتبارها كياناً أن تحدد استراتيجيتها الخاصة بها والتكتيكات التي ستستخدمها لتطبيقها بدقة أكثر.

ويعتمد بناء الاستراتيجيات الناجحة أيضاً على المرونة التكتيكية وتوفر سلسلة واسعة من التكتيكات. وكما شرحت في “الحاجة إلى تكتيكات جديدة”، فإن الناس والمنظمات والحركات التي تعتمد كثيراً على سلسلة ضيقة من التكتيكات قد يجدون أنفسهم يستخدمون تلك التكتيكات في ظروف خاطئة، أو أنهم قد يضيعوا على أنفسهم فرص استخدام تكتيكات أخرى أكثر ملائمة. وبذلك قد يفشلون في اجتذاب قطاع واسع من المؤيدين قد يكون بالإمكان اجتذابهم فيما لو لجأوا إلى تكتيكات أكثر تنوعاً. كما وأن الاستخدام المتكرر للتكتيكات نفسها يسمح للخصوم المستهدفين أو الأنظمة المستهدفة بالتكيف والتغيير بحيث تصبح التكتيكات نفسها أقل فعالية.

إن هذا الكتاب وإن لم يكن بأي حال من الأحوال وافياً يصور اتساع التكتيكات المستخدمة من قِبَل المجتمع الدولي لحقوق الإنسان، وهو عهد يعكس إبداع ممارسي حقوق الإنسان الذي ينجم غالباً عن الحاجة ويعكس قوة التفكير التكتيكي والاستراتيجي

ملحوظة: هذه المقالة متاحة للتحميل مجانًا أو عند الطلب بثمانية عشر لغة إضافية

*تم تطوير الخريطة التكتيكية بدعم من اللجنة الاستشارية لمنع التعذيب التابعة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا (OSCE) وتبرع عيني من صندوق الإخوة روكفلر.

مصادر ذات الصلة